إنّ جدول الفكر أو الفكر الجدولي يمنحنا فضاءً مترامياً من الحركة والفاعليّة والنشاط ، ويوفّر فرصاً أكثر للتلاقح والحوار والتقارب والاندماج ، ويفتح أبواباً عمليّة لممارسة قائمة على العدل والإنصاف ، ويؤسّس لحياة ملؤها الأمن والحبّ والسلام ، ويجعل «الصالح» مستنداً إلى القيم والمبادئ السليمة ، فيكوّن فهماً كافياً لمعنى «الطالح» ، الأمر الذي يبني أساساً واعياً لمحاور الطاعة ـ حيث يجب العمل ـ والعصيان
ـ حيث يجب الترك ـ ويقود إلى الفلاح ; وتلك هي غاية الإنسان في الحياة ، غايته مهما اختلفت الأذواق والمشارب والانتماءات (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً) (١).
إنّني ـ إذن ـ حينما اُفكّر إنّما أبحث عن ذاتي أوّلاً ، فإذا وجدت ذاتي فقد عثرت على كلّ شيء صغيره وكبيره.
ولابدّ لي من الإقرار بأنّ التفكير وإن كان عمليّة عقليّة ذهنيّة ، لكنّها توظّف وجود الإنسان ـ مادّيّه ومعنويّه ـ لأجلها ، مقترنةً بسلسلة مخاضات وآلام وتضحيات ، فالروح الحبلى باللذّة والشهرة والقدرة والثروة إن لم تُجْهَض بنواقضها كان الوليدُ ضالاًّ لا محال ; أمّا الروح الحبلى بذاك الوعي المترشّح عن اتّحاد العلم والعالِم والمعلوم فإنّها تلد الفلاح لا غبار.
لا غموض ولا إبهام في ذلك ، إنّما المشكلة في الروح التي تتأرجح
__________________
١. سورة الإسراء : ٨٤.