والزمان ، وتشاد فضاءات من الوقاية توفّر لنا عناء العلاج المؤلم وباهض الأثمان.
إنّ البناء إذا قدّر له أن يشاد بهكذا تغيير فإنّ الإنسان أولى وأسبق بالتغيير من غيره ، فإن تغيّر تغيّرت سائر الأشياء ; إذ (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) وفي الحقيقة إنّ التغيير الذي يحصل للإنسان هو عودةٌ للاُصول والثوابت (فِطْرَةَ اللهَ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) ، فهذه العودة تمكّنه من التعامل السليم مع الثابت والمتغيّر بفعل سلامة العقل وسلامة الأدوات المعرفيّة والمناهج والأنساق التي يستخدمها في ميادين المواجهة والصراع هذه. إنّه بواقع الأمر يزيل عن عقله وقلبه كلّ ما بُني عليهما من أدران وأجرام ، فيعيد صقلهما وتعود أصالتهما ويتلألأ جوهرهما ، ذلك الجوهر وتلك الأصالة المخلوقان لغاية واحدة مقدّسة ، فإذا ما ارتفع الإنسان بذاته عن حضيض الروح البهيميّة وتسامى بجوهره وأصالته فإنّ كلّ الآلام والأحزان والمعاناة تهون ، فلا يغضب آنذاك إلاّ بنظام ولا يشدو إلاّ بنظام ، ولا نقصد بالنظام حذف الأحاسيس والمشاعر وتحوّل الإنسان إلى كتلة من الجمود والانقياد ، بل هي عمليّة منهجة الأحاسيس والمشاعر ضمن الاُطر الاعتقاديّة ، فإنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد طاله الغضب لحظة بصق عمرو بن عبدودّ في وجهه المبارك وكان بإمكانه النيل منه ، إلاّ أنّه ترك غضبه الشخصي لصالح غضبه العقائدي ، فقتله لكفره ومحاربته الدين والرسول (صلى الله عليه وآله) ، لذا فإنّ الإنسان متمكّن من برمجة أحاسيسه ومشاعره وترويضها وصهرها في بوتقة النظام العقائدي