وقاربه من الدول التي رغم ما في بعضها من التناقضات والتعاكسات والإشكالات في النظم الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة ، لكنّها تعيش أيّامها ولياليها أفضل من عراق الخيرات بكثير.
فلو استقرأنا وتفحّصنا وقرأنا وراجعنا وقارنّا وبعثرنا وتمسّحنا وحلّلنا بلاد الرافدين لَمَا استنتجنا سوى أنّه بلدٌ لم يستقرّ إلاّ نادراً ، وهكذا أظنّه سيبقى وطناً مشتّتاً لا تتّحد فيه القلوب ناهيك عن وحدة العقول ، يتقاذفه الفساد من جميع أطرافه ، يعجّ بظاهر القيم وقشور المبادئ بمناسبة هذه الذكرى وتلك الواقعة ، لكنّها على الغالب ليست سوى ظاهرة صوتيّة سرعان ما تخفت وتستكين.
مأساتنا تكمن فينا ، في ذواتنا ، معاناتنا أنّنا نُخِرْنا من داخلنا منذ أمد بعيد ، اختُرِقنا اختراقاً ضرب فينا الأعماق والجذور ، فتداعت الذاكرة وانهارت العلقة المعهودة وتأزّمت الروح ، روح الحبّ والسلام والوئام ، صرنا ننهش بعضنا البعض ، فتضاءلت فرص التواثق وتوسّعت الهوّة بيننا ، حتى غدا الأخ والصديق لا يحمل سنخه إلاّ على ما يرغب من المحامل ويريد ... نجح وفاز وانتصر من أراد بنا ذلك وخسرنا نحن ، وعسى ألاّ تثبت علينا الهزيمة ; إذ قد يخسر الإنسان لكنّه ينبغي ألاّ يُهزَم فالهزيمة تعني كلّ شيء.
سيظلّ العراق هكذا إن لم تشمله العناية الربّانيّة ، إن بقي أهله على هذا الحال لا يغيّرون ما بأنفسهم ، لا يتآزرون لرفع الحيف عن بعضهم