ولى القضاء بمدينة المنصور من الجانب الغربي ، ثم نقل إلى قضاء الجانب الشرقي ، ثم تولى قضاء القضاة ، وذلك في أيام الخليفة المطيع لله.
فأخبرنا عليّ بن المحسن ، أخبرنا طلحة بن محمّد بن جعفر قال : لما قبض المستكفي على محمّد بن الحسن بن أبي الشوارب ـ وكان قاضيا على الجانب الغربي بأسره ـ قلد مدينة أبي جعفر القاضي أبا السائب عتبة بن عبيد الله بن موسى بن عبيد الله ، وذلك في صفر سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ، ثم قتل أبا عبد الله محمّد بن عيسى اللصوص ـ وكان قاضيا على الجانب الشرقي ـ فنقل أبو السائب عن مدينة أبي جعفر إلى القضاء بالجانب الشرقي ، وذلك في يوم الاثنين مستهل شهر ربيع الآخر من هذه السنة.
قال طلحة : والقاضي أبو السائب رجل من أهل همذان ، وكان أبوه عبيد الله تاجرا مستورا دينا.
أخبرني جماعة من الهمذانيين أنه كان يؤمهم في مسجد لهم فوق الثلاثين سنة ، ونشأ أبو السائب يطلب العلم ، وغلب عليه في ابتداء أمره علم التصوف والميل إلى أهل الزهد في الدنيا ، ثم خرج عن بلده وسافر ودخل الحضرة في أيام الجنيد ، ولقى العلماء وعنى بفهم القرآن ، وكتب الحديث ، وتفقه على مذهب الشّافعيّ ، وتقلد الحكم واتصلت أسفاره ، فدخل المراغة وبها عبد الرّحمن الشيزي ـ وكان صديقه ـ وكان عبد الرّحمن غالبا على أبي القاسم بن أبي السّرّاج ، فعرف الأمير أبا القاسم خبر أبي السائب وما هو عليه من الفضل ، وأدخله إليه فرآه فاضلا عاقلا ، فقلده الحكم بالمراغة ، وغلب على أبي القاسم بن أبي الساج ، وتقلد جميع أذربيجان مع المراغة ، وعظمت حاله. وقبض على ابن أبي الساج وعاد إلى الجبل بعد الحادثة على ابن أبي الساج وتقلد همذان ، ثم عاد إلى بغداد فقطن بها ، وتقدم عند السلطان وعرف الرؤساء فضله وعقله ، وتقلد أعمالا جليلة بالكوفة ، وديار مصر ، والأهواز ، وتقلد عامة الجبل ، وقطعة من السواد ، وتقدم عند قاضي القضاة أبي الحسين بن أبي عمر وسمع شهادته ، واستشاره في كثير من أموره ، ثم ما زال على أمر جميل ، وفعل حميد ، إلى رجب سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة فإنه تقلد قضاء القضاة ، وله أخبار حسان ، وعلقت عنه أشياء كثيرة ، وجوابات في مسائل القرآن عجيبة ، وذكر لي أن عامة كتبه بهمذان.