والذرّيّات جمع ذرّيّة ، وهي من تناسل من الآدمي من أبناء أدنين وأبنائهم فيشمل أولاد البنين وأولاد البنات. ووجه جمعه إرادة أنّ الهدى تعلّق بذرّيّة كلّ من له ذرّيّة من المذكورين للتنبيه على أنّ في هدي بعض الذرّية كرامة للجدّ ، فكلّ واحد من هؤلاء مراد وقوع الهدي في ذرّيّته. وإن كانت ذرّياتهم راجعين إلى جدّ واحد وهو نوح ـ عليهالسلام ـ. ثمّ إن كان المراد بالهدى المقدّر الهدى المماثل للهدى المصرّح به ، وهو هدى النّبوءة ، فالآباء يشمل مثل آدم وإدريس ـ عليهمالسلام ـ فإنّهم آباء نوح. والذّرّات يشمل أنبياء بني إسرائيل مثل يوشّع ودانيال. فهم من ذرّيّة نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ، والأنبياء من أبناء إسماعيل ـ عليهالسلام ـ مثل حنظلة بن صفوان وخالد بن سنان ، وهودا ، وصالحا ، من ذرّيّة نوح ، وشعيبا ، من ذرّيّة إبراهيم. والإخوان يشمل بقيّة الأسباط إخوة يوسف.
وإن كان المراد من الهدى ما هو أعمّ من النّبوءة شمل الصالحين من الآباء مثل هابيل ابن آدم. وشمل الذّريّات جميع صالحي الأمم مثل أهل الكهف ، قال تعالى : (وَزِدْناهُمْ هُدىً) [الكهف : ١٣] ، ومثل طالوت ملك إسرائيل ، ومثل مضر وربيعة فقد ورد أنّهما كانا مسلمين. رواه الديلمي عن ابن عبّاس. ومثل مؤمن آل فرعون وامرأة فرعون. ويشمل. الإخوان هاران بن تارح أخا إبراهيم ، وهو أبو لوط ، وعيسو أخا ، يعقوب وغير هؤلاء ممّن علمهم الله تعالى.
والاجتباء الاصطفاء والاختيار ، قالوا هو مشتقّ من الجبي ، وهو الجمع ، ومنه جباية الخراج ، وجبي الماء في الحوض الّذي سمّيت منه الجابية ، فالافتعال فيه للمبالغة مثل الاضطرار ، ووجه الاشتقاق أنّ الجمع إنّما يكون لشيء مرغوب في تحصيله للحاجة إليه. والمعنى : أنّ الله اختارهم فجعلهم موضع هديه لأنّه أعلم حيث يجعل رسالته ونبوءته وهديه.
وعطف قوله : (وَهَدَيْناهُمْ) على (اجْتَبَيْناهُمْ) عطفا يؤكّد إثبات هداهم اهتماما بهذا الهدي ، فبيّن أنّه هدى إلى صراط مستقيم ، أي إلى ما به نوال ما يعمل أهل الكمال لنواله ، فضرب الصّراط المستقيم مثلا لذلك تشبيها لهيئة العامل لينال ما يطلبه من الكمال بهيئة الساعي على طريق مستقيم يوصله إلى ما سار إليه بدون تردّد ولا تحيّر ولا ضلال ، وذكر من ألفاظ المركّب الدّال على الهيئة المشبّه بها بعضه وهو الصّراط المستقيم لدلالته على جميع الألفاظ المحذوفة للإيجاز.
والصراط المستقيم هو التّوحيد والإيمان بما يجب الإيمان به من أصول الفضائل