يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) فقال : أعوذ بسبحات وجهك الكريم.
ومعنى (كَتَبَ) تعلّقت إرادته ، بأن جعل رحمته الموصوف بها بالذات متعلّقة تعلّقا عامّا مطّردا بالنسبة إلى المخلوقات وإن كان خاصّا بالنسبة إلى الأزمان والجهات. فلما كان ذلك مطّردا شبّهت إرادته بالإلزام ، فاستعير لها فعل (كتب) الذي هو حقيقة في الإيجاب ، والقرينة هي مقام الإلهية ، أو جعل ذلك على نفسه لأنّ أحدا لا يلزم نفسه بشيء إلّا اختيارا وإلّا فإنّ غيره يلزمه. والمقصود أنّ ذلك لا يتخلّف كالأمر الواجب المكتوب ، فإنّهم كانوا إذا أرادوا تأكيد وعد أو عهد كتبوه ، كما قال الحارث بن حلّزة :
واذكروا حلف ذي المجاز وما قدّم فيه العهود والكفلاء
حذر الجور والتطاخي وهل ينقض ما في المهارق الأهواء
فالرحمة هنا مصدر ، أي كتب على نفسه أن يرحم ، وليس المراد الصفة ، أي كتب على نفسه الاتّصاف بالرحمة ، أي بكونه رحيما ، لأنّ الرحمة صفة ذاتية لله تعالى واجبة له ، والواجب العقلي لا تتعلّق به الإرادة ، إلّا إذا جعلنا (كَتَبَ) مستعملا في تمجّز آخر ، وهو تشبيه الوجوب الذاتي بالأمر المحتّم المفروض ، والقرينة هي هي إلّا أنّ المعنى الأول أظهر في الامتنان ، وفي المقصود من شمول الرحمة للعبيد المعرضين عن حقّ شكره والمشركين له في ملكه غيره.
وفي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لمّا قضى الله تعالى الخلق كتب كتابا فوضعه عنده فوق العرش «إنّ رحمتي سبقت غضبي».
وجملة (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) واقعة موقع النتيجة من الدليل والمسبّب من السبب ، فإنّه لمّا أبطلت أهلية أصنامهم للإلهية ومحّضت وحدانية الله بالإلهية بطلت إحالتهم البعث بشبهة تفرق أجزاء الأجساد أو انعدامها.
ولام القسم ونون التوكيد أفادا تحقيق الوعيد. والمراد بالجمع استقصاء متفرّق جميع الناس أفرادا وأجزاء متفرّقة. وتعديته ب (إِلى) لتضمينه معنى السوق. وقد تقدّم القول في نظيره عند قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) في سورة النساء [٨٧].
وضمير الخطاب في قوله : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) مراد به خصوص المحجوجين من