الانتقال ظاهرة.
روى الواحدي في «أسباب النزول» عن الكلبي : أنّ رؤساء مكّة قالوا : يا محمد ما نرى أحدا مصدّقك بما تقول ، وقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس عندهم ذكرك ولا صفتك فأرنا من يشهد أنّك رسول الله. فنزلت هذه الآية.
وقد ابتدئت المحاورة بأسلوب إلقاء استفهام مستعمل في التقرير على نحو ما بيّنته عند قوله تعالى : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ١٢] ومثل هذا الأسلوب لإعداد السامعين لتلقّي ما يرد بعد الاستفهام.
و (أي) اسم استفهام يطلب به بيان أحد المشتركات فيما أضيف إليه هذا الاستفهام ، والمضاف إليه هنا هو (شَيْءٍ) المفسّر بأنّه من نوع الشهادة.
و (شَيْءٍ) اسم عامّ من الأجناس العالية ذات العموم الكثير ، قيل : هو الموجود ، وقيل : هو ما يعلم ويصحّ وجوده. والأظهر في تعريفه أنّه الأمر الذي يعلم. ويجري عليه الإخبار سواء كان موجودا أو صفة موجود أو معنى يتعقّل ويتحاور فيه ، ومنه قوله تعالى : (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) [ق : ٢ ، ٣].
وقد تقدّم الكلام على مواقع حسن استعمال كلمة (شيء) ومواقع ضعفها عند قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) في سورة البقرة [١٥٥].
و (أَكْبَرُ) هنا بمعنى أقوى وأعدل في جنس الشهادات ، وهو من إطلاق ما مدلوله عظم الذات على عظم المعنى ، كقوله تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة : ٧٢] وقوله : (قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ). وقد تقدّم في سورة البقرة [٢١٧].
وقوة الشهادة بقوة اطمئنان النفس إليها وتصديق مضمونها.
وقوله : (شَهادَةً) تمييز لنسبة الأكبرية إلى الشيء فصار ما صدق الشيء بهذا التمييز هو الشهادة. فالمعنى : أيّة شهادة هي أصدق الشهادات ، فالمستفهم عنه ب (أَيُ) فرد من أفراد الشهادات يطلب علم أنّه أصدق أفراد جنسه.
والشهادة تقدّم بيانها عند قوله تعالى : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) في سورة المائدة [١٠٦].
ولمّا كانت شهادة الله على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم غير معلومة للمخاطبين المكذّبين بأنّه رسول الله ، صارت شهادة الله عليهم في معنى القسم على نحو قوله تعالى : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا