يدخلونها ويقاسون حرها يوم الجزاء الذي كانوا يكذبون به ، كما قال تعالى : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى ٤٢ / ٧].
(وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) أي لا يفارقون الجحيم ولا يغيبون عن العذاب ساعة واحدة ، ولا يخفف من عذابها ، بل هم فيها إلى الأبد ، ملازمون لها ، كما قال تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) [البقرة ٢ / ١٦٧].
ثم وصف يوم القيامة وصفا إجماليا في غاية التهويل وأكد ذلك مرتين ، فقال :
(وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ، ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) أي وما أعلمك وما أعرفك ما يوم الجزاء والحساب ، وكرر الجملة تعظيما لشأن يوم القيامة ، وتفخيما لقدره ، وتهويلا لأمره ، مما يستدعي التدبر والتأمل ، فلو عرف المرء تلك الأهوال ، لما فارق طاعة الله ساعة ، وابتعد عن المعصية بعد السماء من الأرض ، ولكن الإنسان في غفلة وسهو وتجاهل ، يعيش في الآمال ، ويعتمد على الأحلام أحيانا ، ويهرب من الواقع.
ثم حسم الله تعالى الأمر ، وأبان حقيقة الموقف ، ودور الإنسان فيه ، فقال : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً ، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) أي إنه اليوم الذي لا يقدر فيه أحد كائنا من كان عليه نفع أحد ، ولا خلاصه مما هو فيه ، إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ، ولا يملك أحد القضاء بشيء أو صنع شيء ، إلا الله ربّ العالمين ، فهو المتفرد بالحكم والسلطان ، فبيده الأمر كله ، وإليه ترجع الأمور كلها. قال قتادة : والأمر ، والله اليوم ، لله ، ولكنه لا ينازعه فيه يومئذ أحد.
ونظير الشطر الأول من الآية قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة ٢ / ٤٨] ، وقوله عزوجل : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ