كثير ، فلهذا وجب تعميم التذكير ، وإن كان لا ينتفع بالتذكير إلا البعض الذين علم الله انتفاعهم به ، ونحن لا نعلمهم ، فبعد أن أمر الله نبيه بالتذكير ، بيّن في قوله : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) الذي تنفعه الذكرى من هو (١).
ثم أوضح الله تعالى من الناحية الواقعية عدم جدوى التذكير بالنسبة للمعاندين ، فقال : (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ، الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى ، ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) أي ويتجنب الذكرى ويبعد عنها الأشقى من الكفار ، لعناده وإصراره على الكفر بالله ، وانهماكه في معاصيه.
لذا فإنه يقاسي حر نار جهنم ويدخلها ويذوق وبالها ، فهي النار العظيمة ، ونار الدنيا هي النار الصغرى ، أو أن النار الكبرى : دركات جهنم ، كما قال تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء ٤ / ١٤٥].
والذي يصلى النار الكبرى يخلد في عذابها ، فلا يموت فيها ، فيستريح مما هو فيه من العذاب ، ولا يحيا حياة طيبة هنيئة ينتفع أو يسعد بها ، كما قال تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) [فاطر ٣٥ / ٣٦].
وسبب تخصيص الكافر بالذكر : أن الفاسق لم يتجنب التذكير بالكلية ، فيكون القرآن ساكتا عن الشقي الذي هو أهل الفسق.
وبعد وعيد الأشقياء الذين أعرضوا عن ذكرى القرآن ، ذكر وعد السعداء الذين يعنون بتزكية نفوسهم وتطهيرهم من الشرك والتقليد في العبادة ودنس الرذائل ، فقال تعالى :
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) أي قد فاز ونجا من العذاب من تطهّر من الشرك ، فآمن بالله ووحّده وعمل بشرائعه ، وتعهد نفسه بالتزكية
__________________
(١) التفسير الكبير للرازي : ٣١ / ١٤٤ ـ ١٤٥ ، غرائب القرآن : ٣٠ / ٧٧