توجهنا لملاقاة الداي (١) الذي سألني عن الغرض من رحلتي وعن البلاد التي قدمت منها ، وعن الأشخاص المرافقين لي في رحلتي هذه (٢) ، وبعد أن تأكد من أننا قدمنا إلى دولته تشريفا له بأبحاثنا وقد أعرب له أثناء ذلك القنصل الإنكليزي عن نوايانا الحسنة تجاه دولته ، مؤكدا له أن ليس لدينا مخططات تضر بحكومته ، بعدها أبلغنا الداي بواسطة أحد المترجمين" أن بلاده مفتوحة لكم في رحلتكم
__________________
(١) الداي المعني بالكلام هو كرد عبدي باشا (والأصح كور أي الأعور) ، وقبل ذلك كان يتولى منصب آغا العرب (قائد الحامية) ، وأثناء حكمه للجزائر (١١٣٦ ـ ١١٤٥ ه / ١٧٢٤ ـ ١٧٣٢ م) عرف بشخصيته القوية ومواقفه الشجاعة وبمنشآته العمرانية ، فأنشأ مسجد المقرئين المعروف بالمكارون ، ووسع ضريح الولي سيدي عبد الرحمن الثعالبي سنة ١١٤٢ ه / ١٧٣٠ م ، وانتهج سياسة حازمة مكنته من إخماد انتفاضة عشائر الحنانشة بالشرق الجزائري سنة ١١٤٠ ه / ١٧٢٨ م ، وتمكن من إقرار النظام في صفوف الجند ، وأظهر استقلاله عن الدولة العثمانية ، فرفض طلبها بإقرار صلح بين الجزائر وإسبانيا (١١٣٧ ه / ١٧٢٥ م) وامتنع عن استقبال بعثة السلطان العثماني وقد ناصره في هذا الموقف أعضاء الديوان وفي مقدمتهم المفتي الحنفي وقائد الحامية المعروف بآغا العرب أو آغا الصبائحية ، سنة ١١٤١ ه / ١٧٢٩ م ، وحتى يحول دون حدوث أي تمرد في صفوف الجند أسند وظيف آغا العرب وهو قائد الحامية إلى ابنه.
تعرض الداي كرد علي في آخر حياته إلى نكسة خطيرة عندما تمكن الإسبان من احتلال وهران والمرسى الكبير مجددا في ١١٤٥ ه / ١٧٣٢ م ، رغم الاحتياطات التي اتخذها ، فحمل نفسه مسؤولية عدم وصول المدد للمدافعين عن حصون وهران في الوقت المناسب ، وشعر بإهانة بالغة جراء ذلك ، فاعتزل الناس وانقطع عن الطعام واستسلم أكثر فأكثر لتعاطي الحشيش الذي اعتاد على تناوله ، فقضى نحبه عن سن يناهز ٨٨ سنة في خريف عام ١١٤٥ ه / ١٧٣٢ م ، بعد مدة قصيرة من مغادرة هابنسترايت لمدينة الجزائر ، وتولى مكانه صهره بابا إبراهيم بن محمد الخزندار دون أن يجد معارضة في ذلك بعد أن استشهد ابن الداي المؤهل لخلافة أبيه على الأرجح في محاولة طرد الإسبان من وهران.
(٢) الأشخاص المرافقون لهابنسترايت والذين أشار إليهم في رحلته هم : شولتز (Schulze) وإبرباخ (Eberbach) والبستاني ترو (Trau) ، كما رافقه في رحلته في مقاطعة التيطري الكاهن والطبيب الإنكليزي الدكتور شو (Dr.Shaw) أنظر ترجمته في الهامش ٤٧).