وأنكم تستطيعون الاعتماد على حمايته" ، وقبل أن ننصرف من عنده أعطى لكل واحد منا برتقالة حلوة المذاق تعبيرا عن القبول الحسن الذي حظينا به لديه.
لقد حملت معي من مرسيليا مشروبات روحية وعلبا من المربى ، فقمت بتوزيعها على موظفي قصر الداي من الضباط حسبما تقتضيه العادة عند القيام بالزيارة ، وبعد هذه الإجراءات لم يعد أي أحد يثير مخاوفنا ، سواء كان تركيا أو عربيا داخل المدينة أو خارجها ، بل أصبحنا محل تقدير لكوننا أجانب ولأننا نمتهن حرفة الطب أو التداوي بالأعشاب ، فقد اعتادوا على تسميتنا بالباربيرو (١) ، ومرد ذلك أنهم كانوا يروننا في أغلب الأحيان نحمل في أيدينا زهورا ونباتات ، وهذا يعتبر في حد ذاته أحسن وسيلة لضمان سلامتنا.
لم تكن جهودي في إخفاء كوني طبيبا ذات جدوى ، فقد اعتقدت أنه من الخطإ بل من المضر لمشاريعي في البحث أن أرفض وصف الأدوية لبعض كبار الشخصيات وخاصة الآغا (٢) ، وهو ابن الداي الذي عرف المفعول الجيد للوصفات التي كنت أقوم بتحضيرها ، فقدم لي هدية في شكل لبوءة
__________________
(١) كلمة باربيرو (Barbiero) في لغة الفرانكا (والتي هي خليط من لغات شعوب البحر المتوسط) ، يقصد بها المشتغل بالطب أو المداوي بالأعشاب ، وغالبا ما يرادفها في اللسان الدارج كلمتا حلاق أو مزين لارتباط ممارسة الطب بالحجامة ، مع العلم بأن مهنة الطب تكاد تقتصر في العهد العثماني ، في الموانئ البحرية ومنها مدينة الجزائر ، على بعض الأطباء الأوربيين الذين اعتادوا معالجة بعض الشخصيات واكتسبوا من جراء ذلك احتراما وتقديرا لمعارفهم الطبية ، وهذا ما ساعد هابنسترايت الطبيب على النجاح في مهمته ومكنه من اكتساب صداقة الداي وابنه آغا العرب.
(٢) آغا العرب هو قائد فرق الجند بمدينة الجزائر والمتصرف في فرسان المخزن بإقليمها (دار السلطان) ، يكلف من طرف الداي بالمحافظة على الأمن وقمع حركات التمرد وضمان المواصلات واستخلاص الجباية ، وهذا ما وسع من صلاحيات هذا القائد العسكري وجعله يحتل المرتبة الثانية في سلك الموظفين المساعدين للداي ، بل جعله الحاكم الحقيقي لأوطان دار السلطان بسهل متيجة والساحل (وهي أوطان : بني خليل ، بني موسى ، الخشنة ، السبت أو حجوط ، يسر) وملحقاتها ببلاد القبائل وجهات التيطري