بحوزتي عن طريق البحر وضمان وصولها إلى وجهتها المحددة ، وقد وعدني القنصل الهولندي أن يتولى أمرها أحد ربابنة السفن الهولنديين ، وكان من المفروض أن يبحر هذا الربان بسفينته من الجزائر إلى مرسيليا ، لكن هذا الربان تحجج بجميع أنواع الأعذار غير المقنعة حتى لا يحمل تلك الحيوانات في سفينته ، فظل معرضا عن سماع طلباتي وغير مستعد للاستجابة لتوسلاتي ما دامت غير مرتبطة بمصلحته ، فكنت بحق في هذا الوضع ضحية حالة العداء التي كانت تسود مدينة الجزائر إزاء مختلف البيوتات التجارية الأوربية أو الممثليات المسيحية ، ومع أني بذلت جهودي في أن تكون علاقتي حسنة مع كل هذه البيوتات ، لكن الظروف السائدة اضطرتني أن أعطي الأفضلية لمن كان منها له اعتبار لدى حكومة البلاد ، وهذا ما جر علي عداوة الآخرين في هذه الظروف التي كنت فيها تحت محك الأحداث التي كانت تعيشها الجزائر من جراء تهديد الأسطول الإسباني لها.
لقد توصلت أخيرا إلى اتفاق مع سفينة إنكليزية صغيرة ، فتكفلت بنقلي إلى عنابة مع الأشخاص المرافقين لي في سفري ومنها يمكن لي مواصلة السفر إلى مرسيليا مع الحيوانات والأشخاص القائمين على خدمتها ، وقد سمح لي تأخر إقلاع هذه السفينة أن أحضر عيد بيرم الذي يعرف أيضا بعيد الخروف (١) (Pascia de Carnieros) لأن فيه يتم ذبح الخرفان وأكل لحومها بصفة فردية أو جماعية ، وهذا العيد يشبه إلى حد ما عيد الفصح لدى اليهود ، فالمسلمون يحيون هذه المناسبة إجلالا لذكرى تضحية إبراهيم بالخروف بدل ابنه إسماعيل تقربا من الله تعالى كما ورد ذلك في القرآن الكريم ، وصادف حلول العيد هذه السنة اليوم الأول من شهر جوان (١٧٣٢) ؛ وفي هذا اليوم تقدم التهاني للداي في قصره ، وبعدها تحضر كبار الشخصيات وليمة فاخرة
__________________
(١) يقصد به عيد الأضحى أو العيد الكبير أو بيرم عند الأتراك أو عيد الخروف بلغة الفرانكا.