نبيه إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بالتوجه إليها وبناء أول بيت لله عزوجل في الأرض فيها ليؤمه الناس للعبادة والطاعة ففعل عليهالسلام بمساعدة ابنه إسماعيل عليهالسلام الذي قدم مع أمه «هاجر» ونزلا موضع زمزم اليوم.
ولما استقر المقام بإسماعيل في مكة تزوج وكثر نسله فيها حتى ملئوها وضاقت بهم ووقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد (١) لالتماس العيش.
وبعد فترة دخلت الوثنية ديارهم وكان ذلك بسبب أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجرا من حجارة الحرم ، فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تعظيما للحرم وصبابة بمكة.
وهكذا استبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره من عبادة الأوثان وصاروا كمن سبقهم من الأمم .. وبقي فيهم بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام يتنسكون بها ، من ذلك : تعظيم البيت ، والطواف به ، والحج والعمرة والوقوف على عرفة ، ومزدلفة ، وهدي البدن ، والإهلال بالحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه.
وكان أول من غير دين إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام ونصب الأوثان ، وسيب السائبة ، وبحر البحيرة ، ووصل الوصيلة ، وحمى الحام ، عمرو بن لحي. ثم انتشرت عبادة الأصنام وصارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب حتى بلغ بهم الجهل أنه حين غلبت خزاعة على البيت ونفت جرهم عن مكة ، جعلت العرب عمرو بن لحي (٢) ربا لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة ، لأنه كان يطعم الناس ويكسو في الموسم ، وقيل : إن أمره وأمر ولده دام على مكة ثلاثمائة سنة (٣).
__________________
(١) تاريخ الطبري ١ / ١٥٢.
(٢) انظر كتاب أخبار مكة ١ / ١١٦ ، وسيرة ابن هشام وعليها حاشية الروض الأنف ١ / ١٠١.
(٣) انظر الروض الأنف ١ / ١٠٢.