وهكذا ابتعد العرب عن دين إبراهيم عليهالسلام فدخل الشرك في عقائدهم وعباداتهم وصرفوا ما ينبغي أن يكون لله سبحانه لأصنامهم وأوثانهم وساءت الأخلاق ، وانتشرت المفاسد ، وانتهكت المحارم ، وتركت الفرائض والسنن ، وانتشرت البدع والخرافات ، ومع هذا بقي قلة من الناس يبحثون عن الحقيقة وهم الحنفاء.
فلما بعث الله محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أراد من قومه أن يعودوا لدين إبراهيم عليهالسلام قبل التحريف والتغيير فدعاهم لعبادة الله وحده وترك ما سواه ، وصرف كل الأمور إليه دون وسائط ، وطلب منهم أن يزكوا نفوسهم بأداء الواجبات وترك المنكرات وبالابتعاد عن مفاسد الأخلاق فأبوا أن يطيعوه ـ إلا من رحم ـ بل نابذوه العداء وعذبوه وأصحابه ، وأخرجوهم وقاتلوهم ولكن حقق الله ما أراد من نصره لرسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ عليهم.
وخير من صور ما كان عليه أهل الجاهلية من فساد في العقيدة والأخلاق والسلوك والقيم «جعفر بن أبي طالب» ، وأم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنهما ـ موضحين الفرق بين الجاهلية والإسلام.
قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة ردا على افتراءات السفيرين اللذين أرسلتهما قريش لإرجاع المهاجرين من الحبشة لمكة :
[.. أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيئ الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ، ـ وعدد عليه أمور الإسلام ـ فصدقنا به واتبعناه على ما جاء به من الله فعبدنا الله وحده