بالنسبة لأمية بن أبي الصلت عاش في عصر نزول الوحي في الطائف وكان من الحنفاء في الجاهلية ممن قرأ الكتب المتقدمة من كتب الله عزوجل ورغب عن عبادة الأوثان ، وكان يخبر بأن نبيا يبعث قد أظل زمانه ويؤمل أن يكون هو ذاك النبي فلما بلغه خروج رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كفر حسدا. ولما أنشد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ شعره قال : «آمن لسانه وكفر قلبه» وكان يحكي في شعره قصص الأنبياء ، وأفكارا تتعلق بأمور الآخرة كالميزان ، والجنة والنار .. إلخ. وكان يأتي بألفاظ وأفكار لا تعارضها العرب يأخذها من الكتب المتقدمة ، وبأحاديث يأخذها من أحاديث أهل الكتاب (١).
والأفكار التي أتى بها أمية في هذه الأبيات من هذا القبيل وصف للناس وأحوالهم في اليوم الآخر ووصف لما فيه من ميزان وحشر وصراط وجنة ونار وتبشير للمؤمنين وتبكيت للمجرمين ، وكلها صور من موقف الحساب والجزاء يوم القيامة وقد اشتملت عليها الكتب السماوية السابقة التي اطلع عليها.
فتوافقها مع العبارات القرآنية كتوافق أفكار ومصطلحات مع التوراة والإنجيل مع الفوارق في اللغة والأسلوب.
ثم إن أمية بن أبي الصلت من المعروف أنه كان معاصرا لمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كما سبق ذكره وعاش واستمر في قرض الشعر طوال ما يقرب من ثماني سنوات بعد هجرة المصطفى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حيث توفي سنة (٩ ه) (٢) ومن هنا نشعر بالتشابه بين شعر أمية والقرآن الكريم ، لذا يكون من التعسف الادعاء بأن هذا الشعر كان سابقا للقرآن من الناحية التاريخية .. وأضيف أن أمية لم يدع الأصالة ولا الإلهام بل إنه كثيرا ما عبر عن خيبة أمله وأسفه في هذا الشأن. مما يحملنا على الاعتقاد بأنه اندفع إلى التقليد بروح المنافسة (٣) والذي يزيدني جزما أن أمية
__________________
(١) انظر الشعر والشعراء ص ٢٢٧.
(٢) معجم الشعراء الجاهليين والمخضرمين ص ١٥٢.
(٣) انظر مدخل إلى القرآن الكريم ص ١٤٣ ـ ١٤٤.