مدارس الأندلس وعودته إلى بلاده ، و «الراهب بطرس» المحترم (١٠٩٢ ـ ١١٥٦ م) ، والراهب «جيراردي كريمون» (١١١٤ ـ ١١٨٧ م) وفردريك الثاني ملك صقلية سنة (١٢٥٠ م) ، و «الفونس» ملك قشتالة ، و «جوبرت» الراهب الفرنسي ، وغيرهم.
وعند ما عاد هؤلاء الرهبان من الأندلس إلى بلادهم نشروا ثقافة المسلمين وعلومهم ومؤلفات أشهر علمائهم في تلك البلاد ، وأخذوا يدرسونها في معاهدهم آنذاك. وقد استمروا بالاعتماد على هذه الكتب قرابة ستة قرون. ولما جاء القرن الثامن عشر العصر الذي بدأ فيه الغرب في استعمار العالم الإسلامي والاستيلاء على ممتلكاته نبغ عدد من علماء الغرب في الاستشراق نبوغا ملحوظا.
وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر عقد أول مؤتمر للمستشرقين في باريس عام (١٨٧٣ م) وتتالى عقد المؤتمرات التي تلقى فيها الدراسات عن الشرق وأديانه وحضاراته حتى يومنا هذا.
فبناء على ما تقدم تكون بداية الاستشراق بشكل واضح منذ أن دقت جيوش الفتح الإسلامي أبواب أوربا وعواصمها ؛ مما دفع أوربا الغارقة في الجهل والتخلف الحضاري يومئذ للبحث عن أسباب نهضة المسلمين ، وعن سبب بلوغهم هذا المجد العظيم الذي بلغوه ؛ لذا درسوا علوم هؤلاء الفاتحين لعلهم يوقفون مدهم وزحفهم عن بلادهم ، ولعلهم يكتسبون منهم ما ينفعهم في إنقاذهم من تخلفهم الحضاري ، لذا كان الاستشراق هو باب الأمل المنشود لهم (١).
ولما انتهت الحروب الصليبية بالهزيمة الساحقة لجيوش الغرب النصراني ، وضعت الخطة لغزو المسلمين بوسائل أخرى غير الحرب بالأسلحة المادية واقتضت خطة الغزو الجديد التوسع في الدراسات الاستشراقية ؛ لتكون تمهيدا للغزو الفكري الرهيب وإعدادا لشروطه الفكرية والنفسية. وانطلق المهتمون بالدراسات
__________________
(١) أجنحة المكر الثلاثة عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ص ١٢٠ ـ ١٢١. والمستشرقون والإسلام إبراهيم اللبان ، ص ١١.