فالقرآن الكريم قد نزل بلغات العرب وأساليبهم والقرآن عربي وأسلوبه عربي وقد استعملت هذه الألفاظ قبل نزول القرآن وبعده ولم يدّع أحد من معاصريه أن القرآن مقتبس من شعر الشعراء أو خطب الخطباء أو كلام الكهان مع معرفتهم بكل ذلك. ولو ثبت شيء من ذلك لرفعت قريش عقيرتها بإبطال دعوى محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بل شهدت بعكس هذا.
قال ضماد بن ثعلبة الأزدي لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : (لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ، ولقد بلغن ناعوس البحر) (١).
وقول عتبة بن ربيعة في القرآن لقريش بعد مناظرته رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ [.. فلما جلسوا إليه قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال : ورائي أني والله قد سمعت قولا ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا الكهانة ، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ..](٢).
قال دراز : إن أدنى الألقاب إلى القرآن في خيال العرب أنه شعر ، لأنها وجدت في توقيعه هزة لا تجد شيئا منها إلا في الشعر. ومع هذا :
فالقرآن الكريم ليس بأنغام الموسيقى ولا بأوزان الشعر لأنك ستجد فيه شيئا آخر لا تجده في الموسيقى ولا في الشعر.
ذلك لأنك تسمع القصيدة من الشعر فإذا هي تتحد الأوزان فيها بيتا بيتا ، وشطرا شطرا ، وتسمع القطعة من الموسيقى فإذا هي تتشابه أهواؤها وتذهب مذهبا متقاربا. فلا يلبث سمعك أن يمجها ، وطبعك أن يملها ، إذا أعيدت وكررت عليك بتوقيع واحد. بينما أنت من القرآن أبدا في لحن متنوع متجدد ،
__________________
(١) انظر صحيح مسلم. كتاب الجمعة ٢ / ٥٩٣ حديث ٤٦.
(٢)؟؟