١ ـ أن ما ذكره «تسدال» أن هذه القصة موجودة في بعض الكتب التي يدعمها دليل على وجودها ، ووقوعها ، فهذا مردود ذلك لأن القصة كانت معروفة في الوسط اليهودي والذي يدل على ذلك ما ورد في السؤالات التي اقترحتها اليهود على القرشيين أن يسألوها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لاختبار صدقه فأخبروهم أن يسألوه على ثلاثة أشياء عن الروح ، وعن الرجل الطواف في الأرض حتى بلغ قرنيها ، وعن فتية ذهبوا في غابر الزمان. وسيأتي بعد قليل ذكر الرواية وقد ذكرت هذه القصص الثلاث في سورة الكهف ، هذا يدل على أن لهذه القصة أصلا كما أن عدم ذكرها في كتب خاصة يريدها «تسدال» لا ينفيها.
٢ ـ القرآن الكريم كله صدق مطابق للواقع. وهذه القصة مما كان معروفا عند اليهود في عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حيث أوعزوا لنفر من قريش منهم النضر ابن الحارث وعقبة بن أبي معيط وغيرهما أن يسألوا محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن ثلاثة أمور لا يعلمها إلا نبي مرسل : (عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم؟ ، وعن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، ما كان نبؤه؟ وعن الروح ما هي؟) فقالوا لهم بعد ذلك : فإذا أخبركم فاتبعوه فإنه نبي وإن لم يفعل ، فهو رجل متقول.
ثم جاءه الله عزوجل بسورة الكهف ، وخبره عما سألوه عنه من أمر الفتية ، والرجل الطواف والروح (١).
فلو كانت هذه القصة غير صحيحة لما اقترحتها يهود ولاعترضوا عليها عند ما سمعوها منه. ولأظهروا بطلانها. فعند ما سمعوها ولم يعترضوا عليها دل ذلك على صدقها وبطلان زعم «تسدال» و «ماسينيون» و «جيبون».
أما حجتهم بعدم ذكرها في الكتاب المقدس فليس بدليل لهم لأن هذا الكتاب دخله الزيادة والنقصان ، والتحريف ، والتبديل ، وما فيه من اضطراب يزعزع الثقة فيه كما هو حال رسائل بولس مع الأناجيل الأربعة.
__________________
(١) سيرة ابن هشام ١ / ٣٢٢.