فهذه الآية العظيمة جاءت ردا على «تسدال» وزمرته من السابقين من كفار قريش واللاحقين ممن جاء بعدهم كأمثال هؤلاء المستشرقين القائلين : إنه من صنع محمد وأن فيه اضطرابا وخللا فالله سبحانه بعلو شأنه ذكر أنه نزل هذا القرآن من لدنه على محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بواسطة أمين الوحي جبريل عليهالسلام. ونسب حفظه في الماضي والمستقبل لنفسه سبحانه ليسلم من الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل ، وجعله معجزا مباينا لكلام البشر بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان بخلاف الكتب المتقدمة فإنه لم يتول حفظها ، وإنما استحفظها الربانيون والأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغيا قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ. يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ ..) الآية (١).
لذا أصبح بين أيديهم أكثر من توراة وأكثر من إنجيل.
فتوراة السومريين مثلا غيرها عن العهد القديم. كما أن الأناجيل مئات وتناقضها واضح وبين لكل من اطلع عليها. كما أنه قد اختفى كثير منها كإنجيل الطفولة والولادة ومريم ، وإنجيل السبعين وإنجيل مرقيون ، وإنجيل ريصان ، وإنجيل التذكرة ، وإنجيل سيرين ، وأنكر بعضها ونسب صنعه للمسلمين كما هو الحال مع «إنجيل برنابا» وبقي من بين هذه المئات من الأناجيل أربعة وهي إنجيل متى ، ويوحنا ، ومرقص ، وإنجيل لوقا.
ولكنها كغيرها لم تسلم فدخل محتواها مبالغات وأوهام وتزيين وسجلوا فيها كل ما سمعوه من روايات ومسموعات ونقولات وتوهمات (٢) سببتها الظروف التي مرت فيها النصرانية.
ويعتبر النصارى اليوم كل ما عدا هذه الأربعة منحولا ودخيلا ومزورا وقد أشار لهذا بولس في رسالته لأهل غلاطية [إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا
__________________
(١) سورة المائدة آية (٤٤).
(٢) انظر القرآن والمبشرون ص ٥٩.