استطاع الغرب المسيحي أن يسيطر على كثير من بلدان العالم الإسلامي. وقد كان هذا الاستعمار امتدادا للحروب الصليبية التي كانت في ظاهرها دينية وفي باطنها استعمارية.
ولم تأت نهاية القرن التاسع عشر حتى كانت كل أجزاء العالم الإسلامي تقريبا قد سقطت في براثن الاستعمار الغربي. وليتم لهم السيطرة ، وليتمكنوا من الاستمرار في بقائهم في هذه البلاد كان لازما عليهم دراسة أحوال الشرق ، وتاريخه ، ولغاته وعقائده فجندوا لهذه المهمة عددا كبيرا ممن لهم دراية بالشرق وأحواله فسخروا علمهم لخدمة الاستعمار البغيض فكان هؤلاء المستشرقون عملاء لحكوماتهم ، وشركاء لهم في صنع القرار السياسي في آن واحد.
بعد تحرر البلاد الإسلامية من الاستعمار العسكري رأى ساسة الغرب أن يكون الاستعمار له طابع آخر وهو أن يكون استعمارا فكريا ؛ لذا اقتضى الأمر أن تزود القنصليات والسفارات والمؤسسات الدولية التابعة لهم بمن لديهم الخبرة في الدراسات الاستشراقية ليبثوا ما تريده دولهم من اتجاهات سياسية ، وليقوموا بمهمات سياسية متعددة منها :
١ ـ الاتصال بالسياسيين والتفاوض معهم لمعرفة آرائهم واتجاهاتهم.
٢ ـ الاتصال برجال الفكر والصحافة للتعرف على أفكارهم وواقع بلادهم.
٣ ـ بث الاتجاهات السياسية التي تريدها دولهم ، فيمن يريدون بثها فيهم وإقناعهم بها.
٤ ـ الاتصال بعملائهم وأجرائهم الذين يخدمون أغراضهم السياسية داخل شعوب الأمة الإسلامية (١).
وقام هؤلاء المستشرقون بدراسة هذه البلاد في كل شئونها من عقدية
__________________
(١) الاستشراق والمستشرقون ـ د. مصطفى السباعي ص ١٨ ـ ١٩.