يحلّق نحو الحقيقة لينطلق معها في رحاب الله. (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) فمن الذي يستطيع أن يقف أمامه ، أو يطفئ نوره؟!
ويقول الرسول كلمته ، أو هكذا يريد الله منه أن يقول إذا قام هؤلاء بما يريدون القيام به. ثم يتابع الحديث في ما يتناجون به ، فقد كانوا يقولون لأتباعهم : لا تطمئنوا إلّا لمن تبع دينكم ، ولا تحدثوهم بما لا ينبغي الحديث عنه مما تعرفونه من قضايا الحق والباطل ، فإذا حدثتموهم به ، فقد يكون ذلك عليكم حجّة عند ربّكم يحاجّوكم به ، لأنكم أقررتم به. وقد أشار القرآن إلى أن من جملة ذلك هو الإقرار بأن يؤتى أحد من غير بني إسرائيل مثل ما أوتيتم من النبوّة والرسالة (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) ، فقد أريد لهم أن ينكروا ذلك ، وهم يعرفونه ، ولذا كانوا يزعمون بأن النبوّة مختصة ببني إسرائيل ، فينكرون رسالة الرسول من خلال ذلك (١). ولكن الله يريد من رسوله أن يردّ عليهم كيدهم وضلالهم ، فيعرّفهم أن القضية ليست بيدهم ، فالله هو الذي أعطى الرسالة لأنبياء بني إسرائيل ، وهو الذي أعطاها لمحمد رسوله ... (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ، ويعطيه لمن يريد (وَاللهُ واسِعٌ) في عطائه الذي لا يضيق فضله عن أحد ، (عَلِيمٌ) يعرف ما يصلح الإنسان وما
__________________
(١) قال في الكشاف : وَلا تُؤْمِنُوا متعلق بقوله : أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ وما بينهما اعتراض ، أي : ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم. أرادوا : أسرّوا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم ، ولا تفشوه إلّا إلى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ثباتا ، ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) عطف على (أَنْ يُؤْتى) والضمير في يحاجوكم لأحد ، لأنه في معنى الجميع بمعنى : ولا تؤمنوا لغير أتباعكم ، إن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند الله تعالى بالحجة. فإن قلت : فما معنى الاعتراض؟ قلت : معناه أن الهدى هدى الله ، من شاء أن يلطف به حتى يسلم أو يزيد ثباته على الإسلام ، كان ذلك ، ولم ينفع كيدكم وحيلكم وزيفكم وتصدّيكم عن المسلمين والمشركين. وكذلك قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ). [تفسير الكشاف ، ج : ١ ، ص : ٤٣٧].