قوله تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) ، فلا يكرمهم بالتكلم معهم بالطريقة الحميمة التي يكلم بها أولياءه ، فربما كان التعبير واردا على سبيل الكناية ، لأن الكلام مع الشخص يعبّر عن الإقبال عليه والاهتمام به ، بينما يمثل ترك الكلام معه إهماله واعتباره شيئا مهملا لا يوحي بأيّة عناية أو رعاية ؛ بل قد يكون مظهرا من مظاهر السخط والعقاب ، (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي لا يلتفت إليهم التفات المحبّ لمن يحبّه ، لأن النظر يمثل الانفتاح على المنظور إليه والاعتناء به ، فالفقرة واردة مورد الكناية للتعبير عن الاستهانة بهم والسخط عليهم كما تقول : فلان لا ينظر إلى فلان ، تريد بذلك نفي الاهتمام والاعتناء به والاعتداد بوجوده ، تماما كما لو لم يكن موجودا كلّيا.
وقد أثار صاحب تفسير الكشاف سؤالا حول الموضوع ، باعتبار أن الله لا يجوز عليه النظر كما يجوز على الإنسان لأنه ليس جسدا بالمعنى الحسّي للجسد ، قال : «فإن قلت : أي فرق بين استعماله فيمن يجوز عليه النظر وفيمن لا يجوز عليه؟ قلت : أصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية ، لأن من اعتد بالإنسان التفت إليه وأعاره نظر عينيه ، ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد والإحسان ، وإن لم يكن ثمّ نظر ، ثم جاء فيمن لا يجوز عليه النظر مجرّدا لمعنى الإحسان مجازا عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر» (١).
(وَلا يُزَكِّيهِمْ) أي : لا يثني عليهم ، لأن الثناء على المؤمنين العاملين بطاعة الله في خط الاستقامة ، وربما جاء في كلام بعض المفسرين أن المراد من التزكية المعنى العملي ، أي : لا يطهرهم من دنس ذنوبهم بالمغفرة ، بل تبقى هذه القذارة عليهم ليتحملوا نتائجها السيئة ، (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الدنيا والآخرة.
* * *
__________________
(١) تفسير الكشاف ، ج : ١ ، ص : ٤٣٩.