وقد عانت الكتب السماوية من المحرّفين الذين يحرّفون الكلم عن مواضعه ، ممن يسيئون إلى الدين بالإساءة إلى صفاء معانيه الأصيلة ، فيحمّلون اللفظ غير ما يتحمل ، ويضيفون إلى الكلام ما لم يوح به الله.
ومن خلال ذلك ، انطلقت المذاهب الفكرية المتنوعة من التفسير المنحرف والتأويل بالباطل ، فحاولت كل فئة أن تجعل الكتب السماوية دليلها على ما تحاولها من فكر وسلوك ، وذلك بالأساليب الخادعة التي تستغل غموض الكلمة وقابليتها للحمل على أكثر من معنى ، فتبعدها عن معناها الأصيل ومصاديقها الصحيحة ... وقد عاش القرآن الكريم هذه المشكلة ، كما عاشتها الكتب السماوية الأخرى ، فقد تحوّل لدى البعض من النّاس ـ من المتقدمين والمتأخرين ـ إلى معرض للأفكار المختلفة ، فحاول كل فريق أن يحمله على ما يريد ، وذلك بالتحوير والتغيير والتأويل في المعنى ، إذا لم يستطع ممارسة ذلك باللفظ.
ولا تزال القضية ـ المشكلة تفرض نفسها على الساحة القرآنية الإسلامية في ما يعانيه المسلمون من حركة المبادئ المنحرفة عن خط الإسلام ، التي تحاول أن تدخل إلى حياة المسلمين وأفكارهم على أساس تضمين القرآن الكريم في آياته بعضا من أفكارها الضالّة ، للإيحاء لهم بأن الإسلام يتبنى مثل هذه الأفكار ويتعاطف معها ، فيكون ذلك لهم حجّة على صحة ما يذهبون إليه من خط سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي في الحياة ، فينبغي للمسلمين أن يدققوا النظر في ذلك ويتأمّلوا فيه ، على أساس القواعد اللفظية اللغوية والفكرية في فهم القرآن في حقائقه ومجازاته. فإن المجازات تحتاج إلى المناسبة القريبة بين المعنى الذي وضع له اللفظ وبين المعنى الجديد الذي يراد استعمال اللفظ فيه مجازا ، ولا يجوز استعمال اللفظ فيها من دون مناسبة ، أو بمناسبة لا يتحملها الذوق السليم.
* * *