النبوّات حلقات متصلة في سلسلة الوحي
ليست النبوّات ـ في ما أنزله الله سبحانه ـ حركات بشرية منفصلة عن بعضها البعض في الفكر والسلوك والهدف ، لتكون مضادة لبعضها البعض في ما اختلفت فيه ، وليس الأنبياء بشرا يتحركون من خلال تجاربهم الخاصة وأفكارهم المحدودة ونظراتهم المتنوعة في ما حولهم من قضايا الحياة لتكون القضية عندهم تنافسا على تأكيد الذات وتنافرا في قضايا الدعوة في ما يختلف فيه فكرها وأسلوبها ... بل القضية هي أن النبوات حلقات متصلة في سلسلة الوحي الذي يريد للحياة أن تتكامل فكرا وعملا وهدفا ، من خلال هذه الحلقات التي تمثل مجموعة المراحل التي يكمل بعضها بعضا ؛ فلكل مرحلة بعض من فكر ، ونوع من أسلوب ، ووجه من عمل ... وقد تختلف هذه في خصائصها التي تتنوّع في حساب الزمن ، ولكنها تلتقي في النتيجة والهدف في نهاية المطاف تبعا لطبيعة التكامل. أما الأنبياء فهم القائمون على هذه المراحل ، الذين يتلقّون وحي الله في وعي وانفتاح ، ويعملون على أن تكون مرحلتهم استكمالا للمرحلة السابقة في ما نقص منها في حساب الزمن الجديد الذي يفرض معطيات وحلولا جديدة لمشاكل طارئة ، فلا يتعقدون من الرسالة السابقة لحساب موقع رسالتهم ، ولا يعيشون الشعور السلبي تجاه الرسل الذين سبقوهم ، لأن القضية لا تمثل مواقع ذاتية لديهم يحاول فيها اللاحق أن يلغي دور السابق ، وتعمل الحركة الجديدة على أن تنسف الحركة القديمة ، بل هي قضية الرسالة الممتدة في الزمن في خطوط متصلة في مواكب الأنبياء التي ترسم للحياة حركتها التي تتكامل وتتعانق وتتصاعد لتحقق هدفها الكبير في لقاء الإنسان بالله.
وهكذا رأينا السّيّد المسيح عليهالسلام يقول : جئت لأكمل الناموس ، كما ثبت عن الرسول العظيم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (١) ، مما يوحي بالحقيقة الرسالية التي تجعل من كل رسول عنصرا
__________________
(١) البحار ، م : ٦ ، ج : ١٦ ، باب : ٩ ، ص : ٤٠٨.