متمّما للرسول الآخر. وقد جاءت هذه الآيات لتعبّر عن هذه الحقيقة بأسلوب مميّز بارز ، وذلك بالتأكيد على أن الله أخذ العهد والميثاق على النبيّين ، أن يؤمن بعضهم ببعض ، وأن ينصر بعضهم بعضا من خلال التصديق بالرسالة الذي يعلنه اللاحق للسابق ، سواء كان ذلك في نطاق وحدة الزمن ، أو في نطاق تعدّده ، حيث تتمثل النصرة بالأمر بتصديقه من خلال اتباعه في ما يبشرهم ويدعوهم إلى الإيمان به.
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) الذين أراد لهم أن يتحركوا في الحياة من خلال الرسالة التي حمّلهم مسئولية إبلاغها للناس ، على أساس الخط الواحد الذي يمثل المسيرة الواحدة التي يرتبط فيها آخر الزمن بأوله ، في عملية تكامل في الفكر والعمل والحركة الواعية ، ليتوزع الأنبياء الأدوار تبعا للرسالة التي تحدد للإنسان حاجاته في مدى المتغيرات الحادثة في امتداد الزمن ، (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) في خط النظرية من خلال الكتاب ، وفي خط التطبيق من خلال الحكمة ، (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ) برسالة جديدة وكتاب جديد وحكمة جديدة ، (مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) لأن الكتب الموحى بها من قبلي ، والرسالات المنزلة على الناس مني ، لا تتناقض ولا تختلف ولا يلغي بعضها بعضا ، بل تتكامل وتنفتح في مفاهيمها المتنوعة في العقيدة والإنسان والكون والحياة ، (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) لأنه يمثل الحقيقة الرسولية في مسيرة الرسالات ، مما يؤكد أن الإيمان يفرض وحدة الرسل في شرعية الرسالة ، (وَلَتَنْصُرُنَّهُ) بالدعوة إلى الإيمان به من قبل اتباعهم في الخطوط العامة لرسالاتكم ، بحيث يرون أن الإيمان به ونصرته جزء من الإيمان العام الذي ينتمون إليه.
وقد أكّد القرآن هذا الميثاق في الحوار الذي دار بين الله وبين الأنبياء : (قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) والإصر : الميثاق ، (قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا) على أممكم التي بلغتموها ذلك ، (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) عليهم وعليكم. هذا يعني أن الأنبياء استجابوا لله في إقرارهم الإعلاني ليبلّغوا ذلك