فرضت له في الكتاب؟ ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة ، ثم يجال السهام على ما خرج ، وورّث عليه (١).
وهكذا تتحول القرعة في مضمونها الديني الجديد إلى عملية تتضمن معنى العبادة والدعاء ، فهي ـ في هذا الجو ـ وسيلة من وسائل تفويض الأمر إلى الله ، عند ما تتعقد الأمور وتدفع إلى الشلل والحيرة ، وتخرج ـ بذلك ـ عن دائرة الأزلام المعروفة في الجاهلية التي كانوا يستقسمون بها ، وهذا ما يجعل للطمأنينة النفسية في نتائجها أساسا في العقيدة التوحيدية التي تدعو الناس إلى التفويض إلى الله والرضى به. ولهذا فإنها لا يمكن أن تقع على سبيل التجربة التي لا تنطلق من الجدّية في الوصول إلى الحل ؛ وهذا ما رواه في التهذيب صحيحا عن جميل قال : قال الطيار لزرارة : ما تقول في المساهمة «القرعة» أليس حقا؟ فقال زرارة : بل هي حق. فقال الطيار : أليس قد رووا أنه يخرج سهم المحق؟ قال : بلى. قال : فتعال حتى أدّعي أنا وأنت شيئا ثم نساهم عليه وينظر هكذا هو ، فقال زرارة : إنما جاء الحديث بأنه ليس قوم فوّضوا أمرهم إلى الله ثم أقرعوا إلّا خرج سهم المحق ، فأمّا على التجارب فلم يوضع على التجارب ، فقال الطيار : أرأيت إن كان جميعا مدّعيين ادعيا ما ليس لهما من أين يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة : إذا كان كذلك جعل معه سهم مبيح ، فإن كان ادعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح (٢).
وهذه الثقة بالنتائج ليست منطلقة من طبيعة العملية كلعبة خاصة يحاول اللاعبون أن يجربوا فيها حظهم ، بل هي قضية إخلاص روحي في الرجوع إلى الله ، ليختار لهم ما فيه صلاحهم أو ما فيه تعيين الحق في الواقع ، ممّا يجعل للمسألة بعدا إيمانيا في الروح ، لا مجرد بعد إلهيّ في الوسائل.
* * *
__________________
(١) الكليني ، محمد بن يعقوب ، الكافي ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ج : ٧ ، ص : ١٥٨ ، رواية : ٢. والتهذيب ، ج : ٦ ، باب : ٢٢ ، ص : ٢٣٩ ، رواية : ١٩.
(٢) التهذيب ، ج : ٦ ، باب : ٢٢ ، ص : ٢٣٨ ، رواية : ١٥.