وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) بعد أن قامت عليهم الحجة من قبله.
أما جزاء هؤلاء المتمردين فتحدده الآية الثانية (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ* خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) لأنهم تمردوا على الله الذي خلقهم ورزقهم وأفاض عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ، وفتح لهم أبواب الخير والهداية بأوسع مما بين السماء والأرض ، فاستحقوا غضبه وسخطه واحتقار الملائكة والناس ، لأنهم هم الذين قادوا أنفسهم إلى موقع الحقارة الذاتية والعملية بكفرهم بالله ؛ ولكن الله لا يغلق عنهم أبواب الرجوع إليه ، فإن أبواب التوبة مفتوحة لمن أراد أن يتوب إلى الله ويصلح أمره وعمله ، لأن الكفر لا يمثل ـ عند الله ـ عقدة لا انفكاك لها ، كما هو شأن البشر الذين تتحرك العقدة في نفوسهم فتمنعهم عن العفو والصفح والمغفرة ، بل الكفر يمثل الانحراف عن خط الحق ، فإذا استقام الإنسان في خطه بعد انحرافه كانت رحمة الله له بالانتظار لتشمله باللطف والرضوان ؛ وذلك هو قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لأنه أهل المغفرة والرحمة ، فقد سبقت رحمته غضبه في كل مجال كان للرحمة سبيل.
ونلاحظ في الحديث عن الإصلاح مع التوبة ، أن التوبة لا بد من أن تتحرك في نفس الإنسان كوسيلة من وسائل التغيير الوجداني الفكري ، الذي يتحول إلى حالة في التغيير الواقعي في خطوات الإنسان العملية وممارساته ، فلا بدله من أن يمحو الماضي المنحرف بالحاضر المستقيم ، لتكون عملية التوبة وسيلة من وسائل محو الماضي الأسود بالواقع الجديد الأبيض ، فلا تكفي التوبة باللسان ما لم يصدقها العمل الصالح الذي يمثل عملية الإصلاح في الداخل والخارج.
* * *