أصدق منك ، وأن الله أصدق الثلاثة. ورجع إلى المدينة وتاب وحسن إسلامه» (١).
* * *
الإيمان قضية ومصير
إنّ الله يفتح للإنسان أبواب الهداية من خلال البيّنات التي تجتمع لديه ، والبراهين التي تحصل عنده ، مما لا يبقى معه شك ولا ريب. وبذلك تنطلق الدعوة إلى الإيمان ، كعقيدة وموقف ، من موقع القناعة الثابتة المرتكزة على أساس الحجة الواضحة. وفي هذا الجوّ الذي تقوم فيه الحجة عليه ، لا يسمح الله له بالسلبيّة واللامبالاة فضلا عن الإنكار والعناد ، فإن الإيمان يمثل قضية المصير الذي لا مجال للتلاعب به ، وقضية الحياة التي يرتبط فيها سلوك الفرد بسلامة المجتمع ، الأمر الذي يجعل منه شيئا أساسيا ، ويعطي صفة التمرد والمكابرة لمن ينحرف عنه. وقد عالج القرآن في هذه الآيات الموقف الإلهي من هؤلاء ، فتساءل في البداية عن جوّ الإنكار (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌ) فقد أقام الله لهم الحجة التي فرضت عليهم الإيمان في أعماقهم والشهادة الداخلية في كيانهم والإعلان عن ذلك بألسنتهم ؛ فقد دخلوا في الإسلام وأصبحوا جزءا من مجتمع المسلمين ، فلا مجال للشك والشبهة بعد أن كانت القضية في مستوى الوضوح الكبير. ولكنهم كفروا وأظهروا الكفر ، فكيف يهديهم الله ، في الوقت الذي لا يريدون فيه لأنفسهم السير في طريق الهدى ، وظلموا أنفسهم بكفرهم. وقد جرت حكمة الله أن يقود الإنسان إلى الهداية من طريق الاختيار والإرادة والحجة والبرهان ... فإذا تمت لديه عناصرها ثم انحرف عنها غرورا وطغيانا وكبرا ، فإن الله يتركه لنفسه ولا يتدخل بطريقة غيبيّة لفرض الهداية عليه على أساس الجبر ، (وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٧٨٩.