التوبة المرفوضة
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ورسوله واليوم الآخر (بَعْدَ إِيمانِهِمْ) الذي أعلنوه فدخلوا في المجتمع الإسلامي من خلاله رغبة أو رهبة ، ثم خرجوا منه بعد أن حصلوا على ما يريدون ، أو أمنوا مما يخافون منه ، (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) من خلال العقدة الحاقدة في داخل نفوسهم ، لا سيما بعد أن دخلوا ـ من جديد ـ في مجتمع الشرك الذي أرادوا التكفير أمامه عن إيمانهم وإسلامهم ، فعملوا على التشديد في كلماتهم القاسية ضد الإسلام ومواقفهم العدوانية ضده ، (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) لأن مثل هذا العمق العدواني ، وهذا الانتقال السريع من الإيمان إلى الكفر الذي تطور إلى زيادة في مضمونه وحركته ، ويوحي بأنهم لا يملكون الجدية في إيمانهم ، فلم يدخل إلى قلوبهم ، بل كانت المسألة تمثيلية للوصول إلى أغراضهم الخبيثة ، مما يعني أن إيمانهم الجديد الذي تعبر عنه التوبة لن يكون بأفضل من إيمانهم القديم الذي أعقبه الكفر ، فهم اللاعبون على خط الكفر والإيمان ، (وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) التائهون في تمزقات مشاعرهم التي لا تثبت على قاعدة ولا تتحرك في الاتجاه المستقيم.
أمّا الذين يموتون وهم كفار ، ويفاجئهم الموقف بالعذاب الشديد ، فسيحاولون أن يدفعوا عن أنفسهم ذلك بكل أنواع الفدية ، أو يتمنون ذلك ، ولكن الله يحسم الموقف فلا مجال للفدية مهما عظمت ، فلا يقبل منهم شيء منها حتى لو جاءوا بملء الأرض ذهبا ، لأن خطيئة الكفر لا يفتديها شيء ، فإن الله (لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] ، فلا مفرّ من العذاب الذي هو جزاء الكافرين ، ولن ينصرهم أحد من دون الله ، لأنّ الأمر كله ـ يؤمئذ ـ بيد الله.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) فلم يتوبوا عن خطيئة الكفر في نهاية الحياة ، (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) يوم القيامة ، لأن جريمة الكفر لا يفتديها شيء لأنها تعلو كل جريمة ، فلا مجال للتخفيف