الثالث ، فإن استطعت أن لا تكون أعجز الثلاثة فلا تكن ، إنّ الله يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وإن هذا الجمل كان مما أحب من مالي ، فأحببت أن أقدمه لنفسي» (١).
وجاء في تفسير أبي الفتوح الرازي ، أنه كان لزبيدة زوجة هارون الرشيد مصحف ثمين جدا ، قد زينت غلافه بأغلى أنواع المجوهرات والأحجار الكريمة ، وكانت تحبه حبا شديدا وتعتز به أكثر اعتزاز ، وفيما هي تتلو القرآن في ذلك المصحف ذات يوم ، مرّت على قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) فأوحى لها ذلك بأن تبيع أحجاره الكريمة وجواهره النفيسة ـ باعتبار أنّها أحب شيء لديها ـ لتنفق ثمنها في سبيل الله ، وهكذا حفرت الآبار والقنوات في الصحراء ليشرب الناس الساكنون في الصحراء والمارّون فيها منها (٢) انسجاما مع جوّ هذه الآية.
وهكذا نجد أن هذه الآية قد تركت أثرا كبيرا في نفوس المسلمين ، فتحولت إلى ذهنية تنفتح على الخير وسلوك يتحرك في اتجاهه ، وحركت الخطط للتغيير ، وهذا ما ينبغي للعاملين في سبيل الله أن يستهدفوه في حركة الدعوة باللجوء إلى الأساليب الفنية التي تفتح القلب على الله من خلال الانفتاح على آياته ، وتقود الواقع إلى تحقيق المبادئ الخيّرة في شريعة الله ، لتتحول الحياة في المجتمع الإسلامي إلى حياة إسلامية حية تختزن كل الإسلام في وجدانها وحركتها وسلوكها العملي.
* * *
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٧٩٢ ـ ٧٩٣.
(٢) الرازي ، أبو الفتوح ، تفسير القرآن ، ج : ٣ ، ص : ١٥٧.