عملية مقارنة بين حاجة الدنيا إلى المال وحاجة الآخرة إلى رضوان الله ، وهذا يتمثل في الشهادة التي هي أعلى درجات البرّ. وقد ورد في الحديث «فوق كل ذي بر برّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله فليس فوقه بر» (١). (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ) سرّا وعلانية (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) لأنه الذي يستوي لديه السر والعلن ، فكل الأشياء مكشوفة عنده بارزة في علمه الذي لا يغيب عنه شيء ، وفي ذلك إيحاء بأن الله لا يضيع إنفاقكم بل يجزيكم عليه لأنه يعلمه بكل تفاصيله.
* * *
دروس وعبر
وقد جاء في مجمع البيان قال : «روي أن أبا طلحة قسم حائطا له في أقاربه عند نزول هذه الآية ، وكان أحب أمواله إليه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : بخ بخ ، ذلك مال رابح لك ، وجاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها ، فقال : هذه في سبيل الله ، فحمل عليها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أسامة بن زيد ، فكأنّ زيدا وجد في نفسه ، وقال : إنما أردت أن أتصدق به ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أما إن الله قد قبلها منك. وأعتق ابن عمر جارية كان يحبها ، وتلا هذه الآية ، وقال : لولا أني لا أعود في شيء جعلته لله تعالى لنكحتها ، وأضاف أبو ذر الغفاري ضيفا فقال للضيف : إني مشغول وإن لي إبلا فاخرج وائتني بخيرها ، فذهب فجاء بناقة مهزولة ، فقال له أبو ذر : خنتني بهذه ، فقال : وجدت خير الإبل فحلها ، فذكرت يوم حاجتكم إليه ، فقال أبو ذر : إن يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي ، مع أن الله يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وقال أبو ذر : في المال ثلاثة شركاء : القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرّها من هلك أو موت ، والوارث ينتظرك أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم ، وأنت
__________________
(١) البحار ، م : ٢٦ ، ج : ٧١ ، باب : ٢ ، ص : ٤٢ ، رواية : ٢٥.