جاه أو علم أو قوة أو غير ذلك ، فإن السرّ في عظمة الإنفاق في الإسلام هو تحقيق التكافل الاجتماعي بين الناس في جميع المجالات من موقع المسؤولية والرغبة في القرب من الله. وقد أراد الله سبحانه أن يعرف الإنسان بأن للبرّ طريق رئيسي هو أن ينفق مما يحب ، كما عرّفه بأن الله عليم بما ينفقه في السرّ والعلانية ، وبالتالي لا يجب عليه أن يقف الإنسان في الإنفاق عند حدّ الأشياء الظاهرة ، بل ينبغي له أن يراعي طبيعة الحال في ما تستلزمه من إسرار أو إعلان ، فإن الجزاء يصل إليهما ممن عنده علم السرّ والعلانية ، إنه أرحم الراحمين.
* * *
لا ينال البر إلّا بالإنفاق
(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) الذي يمنحه الله عباده من الرضوان ونعيم الجنة ، وربما كان المراد بالفقرة أن الإنسان لا يصل إلى درجة البر بحيث يكون من الأبرار ، أو إلى مستوى البرّ بالله وهو الطاعة والتقوى الدالان على عمق الإيمان والإخلاص لله في نفسه وحياته ، (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) من المال الطيب الذي تفضلونه ، وتحبونه ، وتميزونه عن غيره بكل درجاته ، بحيث لا تنفقون قدر الحاجة بل ما يزيد عليها أيضا ، كما في قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة : ٢١٩] ومن اختيار الطيب في مقابل الخبيث كما في قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) [البقرة : ٢٦٧] حتى تصل المسألة إلى درجة الإيثار الذي يعطي الإنسان من نفسه بما قد يؤدي إلى تفضيل الآخر على نفسه كما في قوله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) [الحشر : ٩] ، وقوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) [الإنسان : ٨] ، أي مع حاجتهم إليه وحبهم له ، وهذا هو الذي يمثل أعلى درجات البر ، لأنه يوحي بأن الإنسان قد وصل إلى درجة فقدانه للإحساس بحاجته واستغراقه في حاجة الآخرين من أجل رضوان الله ، وذلك في