يعني الأوس والخزرج ، (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني شاسا وأصحابه ، (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) (١).
لعل جوّ الآية يوحي بوجود حادث من هذا القبيل ، عاش فيه المسلمون حالة استسلام لبعض أساليب الإثارة من قبل اليهود ، مما كاد أن يحطّم وحدتهم الجديدة في نصاب أخوّة الإسلام الحق ، فيثير في داخلهم عصبية الجاهلية التي تذكي في داخلهم روح العداوة والبغضاء ، وتعيدهم إلى أجواء الكفر التي يستسلم فيها الإنسان إلى الدوافع الشريرة من الحقد والبغض ، بعيدا عن الدوافع الخيّرة من المحبّة والتسامح ، وقد لا يكون في هذا الحادث ما يوحي بالكفر ، بل هو مجرد انحراف عن الخطّ ، ولكن خطورة القضية تتمثل في هذا الاستسلام الساذج لأساليب اليهود ، فإنه قد يغريهم بالتقدّم في خطوات جديدة في عمليات تضليل في العقيدة إلى جانب التضليل في العمل ، فتكون النتيجة ردّة إلى الكفر بعد الإيمان ، وتلك هي الخسارة الكبرى التي ينبغي أن يتفاداها المسلمون بالمزيد من الوعي والتفكير في ما يحيط بهم من أجواء الكفر والكافرين ، وفي ما يسمعونه من آيات الله التي تفتح قلوبهم على الحق ، وعيونهم على الواقع ، ومسيرتهم على الصراط المستقيم ، فإذا اشتبه عليهم شيء من شؤون الكفر والعمل ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعيش بينهم ، يحاورهم ويحاورونه ، ويشاورهم ويشاورونه من غير ضيق أو تكلّف ، بل هي البساطة والعفوية التي تنساب فيها الحقيقة انسياب النور في الضحى ، فكيف يمكن لهم أن يكفروا مع كل هذه الأجواء والدلائل والبيّنات ، التي تبعدهم عن خط الضياع والقلق الروحي والعملي ، لأنها تربطهم بالله الذي يعتصم به عباده في حالات الاهتزاز والضياع فيقودهم في هدايته إلى صراط مستقيم؟!
ويذهب صاحب تفسير الميزان إلى أنّ هاتين الآيتين واردتان في سياق التحذير للمؤمنين أن يطيعوا اليهود في ما يدعون إليه فيكفرون بالدين ، وترغيب
__________________
(١) أسباب النزول ، ص : ٦٤ ـ ٦٥.