وقتلوهم وواجهوهم بمختلف التحديات الصعبة ، فلا بدّ من مواجهتهم بأسلوب حاسم يقهر تمرّدهم ، ويفضح أساليبهم ويوقفهم عند حدّهم ، تماما كما فعل موسى عليهالسلام مع السحرة فوقعوا له ساجدين. وأيّ أسلوب أعظم من المعجزة التي تتحدى قدرات المجتمع في ثقافته وفعاليّته : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ)؟!
(وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) وكان الطب هو الغالب عليهم ـ في ما يقال ـ وماذا يستطيع الطب أن يصنع للإنسان إلّا أن يعالج حركة الحياة لتتوازن ، ويخفّف الآلام لتهدأ ، ويبلسم الجراح لتلتئم ... ولكنه لن يستطيع أن يعطي الحياة للجماد ، أو يمنح البصر لمن يولد بلا بصر ـ وها هو معنى الأكمه ـ أو يشفي الأبرص بمجرّد اللمس ، أو يعيد الحياة إلى الموتى من جديد ... ولكن المسيح عليهالسلام يستطيع ذلك بإذن الله الذي أعطاه من قدرته التي تمثل الإذن التكويني في حركة القدرة بالأسلوب غير المألوف ... ولا يقف عند ذلك ، بل يتقدم في المعجزة ليخبرهم عما يأكلون ويدّخرون في بيوتهم مما لا يحيط به الإنسان من وراء الغيب الذي يختفي خلف الصدور والجدران (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) ومن المعروف لديهم أن عيسى عليهالسلام لم يستند إلى أيّة ثقافة خاصة أو عامّة في ذلك ، أو في بعض ذلك ، لا سيما في الأمور التي لا تصل إليها القدرات الإنسانية مهما ارتفعت ، ولذلك أكّد لهم أن في هذه الظواهر الخارقة للعادة آية لهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بالآيات التي تقدم إليكم ، من أجل أن تركّز لكم قناعاتكم على أساس البراهين الواضحة التي لا يملك الإنسان معها إلّا أن يرضخ للإيمان في كل مفاهيمه وحقائقه ومتطلّباته ... وتلك هي قصّة النبوّات ، فهي تقود الإنسان نحو الإيمان بالمعجزة التي لا تقبل الشكّ من قريب أو من بعيد.
* * *