وما المشكلة في أن يحرّك الله قدرته ليهيّئ السبل لرسله في الوقوف أمام التحديات بقوة ، ليكونوا في الموقع الأعلى لا الأسفل ، من أجل أن تكون كلمة الله العليا وكلمة الكافرين السفلى ، كما قال الله سبحانه لموسى عليهالسلام : (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) [طه : ٦٨] فكانت المعجزة خلقا جديدا للأسباب الخفية في مواجهة الأسباب الأخرى الظاهرة.
إن الغيب من أمر الله كما هو الشهود من أمره ، والله يحرّك غيبه في مواقع إرادته كما يحرك الشهود ، لأنه يتساوى لديه عالم الغيب وعالم الحسّ ، ولهذا فلا بد لنا من أن نتقبل المعجزة في عنوانها الغيبي الإلهي بإيمان وتسليم ، كما نتقبل الأمور الطبيعية الأخرى.
وإذا كان الآخرون لا يقبلون التسليم بالأمور الغيبية في الدنيا من خلال المعجزة التي يجريها الله على أيدي رسله ، أو الكرامة التي يكرم الله بها أولياءه ؛ فيحاولون إنكارها لننطلق إلى إقناعهم بها بطريقة مادية ، فكيف يمكن إقناعهم بالغيب في عالم الألوهية ، أو في عالم الآخرة؟!
هذا من الناحية العامة ، وفي الجانب الخاص فإن النص القرآني يؤكد حدوث هذه الأمور من النبي عيسى عليهالسلام وذلك هو قوله تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) ، إلى أن قال : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) [المائدة : ١١٠].
والقضية ـ كما أشرنا ـ لا تمثل أيّ انحراف عن خط العقيدة التوحيدية التي تجعل الله ـ وحده ـ مصدر كل خلق ، والفاعل لكل شيء ، لأن النبي لا يملك شيئا من كل ما يصدر عنه من معاجز وكرامات بنفسه ، لأنه لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا إلا بالله ، بل إن الله هو الفاعل لذلك كله ، الذي أجرى الأمور على يد نبيه أو وليه من خلال المصلحة التي يحدّدها بحكمة ويؤكدها بقدرته.
* * *