بقدر حاجة الرسالة إليه في حركتها في الحياة. وثمة اشارة في الآية إلى أن الغيب الذي قد يعلمه الله للنبي إنما ينزل عليه بطريق الوحي كما جاء التصريح به في آية أخرى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) [آل عمران : ٤٤] وقد جاء في قوله تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف : ١٨٨] ، وهذه الآية تدل على نفي الفعلية في وجود الطاقة التي تدفع عن الإنسان الشر وتجلب له الخير ، بحيث إنها تأتي تدريجا بمشيئة الله لا بنحو خلق الطاقة في الكيان النبوي ليتحرك من خلالها إراديا ، ويؤكد ذلك أنه يتحدث عن الواقع الذي كان يصيبه بالسوء بمختلف ألوانه ، أو يمنع منه الكثير من الخير. فكأنه يريد الإيحاء بأن ذلك لا يتصل بدوره لأن دوره البشارة والإنذار لقوم يؤمنون مما لا يحتاج فيه إلى علم الغيب إلا بما يرتبط بحركة الرسالة في تاريخ الرسالات في الأمم السابقة. وهذا مما يوحيه الله إليه في القرآن الكريم من أنباء الغيب ، في التاريخ الذي لا يعلمه هو ولا قومه.
وقد ورد في بعض الآيات الحديث عن أن الله يظهر رسله على الغيب ، وذلك هو قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً* لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) [الجن : ٢٦ ـ ٢٨] ، فقد استند إليها القائلون بأن الله قد أعطى رسوله وأولياءه العلم بالغيب إما بطريق الفعلية الاستحضارية وإما بطريق القوة ، بمعنى أنه لو شاء أن يعلم لعلم. وذكروا أن ظاهر الاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) هو الإطلاق الذي لم يتقيد بشيء مما يوحي بأن المسألة تشمل كل شيء يريد الرسول أن يعلمه من الغيب ، ويفسرون ما حكي من كلامه تعالى من أنّ إنكارهم العلم بالغيب أريد به نفي الأصالة والاستقلال دون ما كان يوحى. ولكننا نحتمل أن يكون قوله تعالى : (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) إشارة إلى الغيب الذي يظهر عليه من ارتضى من رسله ، وهو الجو الملائكي الذي يحميه من الشياطين ،