السابقون ـ وذلك في قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الأنعام : ٣٧] وقوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) [الرعد : ٧] فقد يظهر من هذه الآية ، أنّ إنزال الآيات ليس أمرا ضروريا للنّبوّة إلّا في حالات التحدّي الكبير الذي يهدّد حركتها في ساحة الصراع والمواجهة ، ولذلك لم ينزل الله على النبي آية ، لأن التحدي لم يصل إلى هذه المرتبة الحاسمة. وقوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) [الإسراء : ٥٩]. وظاهرها نفي الإرسال بالآيات بالرغم من أنها كانت مطلبا ملحّا للمشركين ، كما جاء في آية أخرى في قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩]. فإن المسألة لم تكن في مستوى الضرورة ، ولم تكن في واقع الحاجة للمهمة الرسالية.
ونلتقي في آيات أخرى ببعض مظاهر الضعف البشري الفعلي للأنبياء ، وذلك كما في قصة موسى الذي خرج من المدينة خائفا يترقب ، وكان يعيش الخوف من قتل فرعون وقومه له : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [الشعراء : ١٤] والخوف في ساحة التحدي مع السحرة : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى * قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) [طه : ٦٨] ونجد ذلك في قصة إبراهيم عند ما دخل عليه الملائكة : (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ) [الذاريات : ٢٨]. ونلاحظ ذلك في خطاب الله للنبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم كيف يقدم نفسه للناس : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) [الأنعام : ٥٠] ، وقد ورد هذا المضمون في سورة هود في آية : (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) [هود : ٣١] ، فإن هذه الآية ظاهرة في تأكيد بشرية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبأن كل ما لديه إنما هو من الله سبحانه وتعالى ، يمنحه إياه