تمثل إلّا الإعلان له بأنه ليس وحده في الساحة ، وليس وحده في المعركة ، وأن صوته لم يذهب في الفراغ ، كما تذهب الأصوات الضائعة في أجواء الجحود والكفران ... فهناك المؤمنون الذين يتقدمون معه في خطّ الجهاد والدعوة إلى الله ، وهناك أصواتهم الهادرة التي تشهد الرسول بإسلامها ، ليسمع الجاحدون كيف تحوّل الإيمان إلى قوة لا تخاف من الإعلان عن مواقفها المضادّة لقوة الكفر. إنهم يشهدون الرسول ، ولكنهم في نهاية المطاف يقفون بين يدي الله الواحد الذي آمنوا به ، وآمنوا برسوله من خلال الإيمان به ، وأسلموا له على أساس خط الإيمان الفاعل في الحياة ، ليعبّروا له عن هذا الإيمان العميق الممتدّ في وجدانهم وفكرهم ، وعن خطواتهم العملية التي تحرّك الإيمان من خلالها إلى حركة واعية تتمثل في اتّباع الرسول ... وليستلهموا منه القوة على مواجهة التحديات لئلا يضعفوا أمام نقاط الضعف التي تواجههم في الداخل والخارج ؛ فإن الشعور بحضور الله في حياة الإيمان ، من خلال المناجاة الذاتية التي يقدمها المؤمن لله ، يمنح المؤمن شعورا بالرضى والطمأنينة والقوّة الواثقة بربها وبنفسها ... في الصعب من مواقف الحياة.
وهكذا وقفوا أمام ربهم ، ولكن لا ليشهدوه على إيمانهم لأن الله يعلم ما في الصدور ، بل ليرفعهم إلى مستوى الدعاة إليه ، المجاهدين في سبيله الذين يشهدون على الناس في خط الرسالات الكبيرة في الحياة. فإن الله قد جعل للطليعة الواعية المجاهدة دور الشاهدة على الناس كما جعل للرسل الدور الأول في هذا المجال ... (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) الذين يشهدون للمؤمنين الذين استجابوا لله وللرسول دعوته ، وحملوا على الكافرين الذين رفضوا الإيمان فكرا وحركة ومنهجا ، فانفتحوا على كل المشاكل المتناثرة في صعيد الساحة العامة ، بحيث إنهم يملكون القدرة على تقديم تقرير واف شامل لكل مفردات الرسالة وخصومها.
* * *