معنى الفوقية هنا هو الفوقية في الحجة والبرهان ، لأن حجة عيسى عليهالسلام وأتباعه في نبوّته وصحة دعوته ظاهرة بيّنة كلما تقدم الزمن وخفّت الضغوط ، بينما كانت حجة الكافرين الذين خالفوه وعاندوه غير مستندة إلى أساس ، فهي لا تزداد على مرور الأيام إلا انحسارا وضعفا ... ولكن هذا الوجه مما لا تساعد عليه الآية لا بلفظها ولا معناها ـ كما يقول صاحب تفسير الميزان ـ «فإن ظاهر قوله : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) أنه إخبار عن المستقبل ، وأن التوفّي والرفع والتطهير والجعل سيتحقق في المستقبل ، على أنّ قوله : (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) وعد حسن وبشرى ، وما هذا شأنه لا يكون إلا في ما سيأتي ، ومن المعلوم أن ليست حجة متّبعي عيسى عليهالسلام إلا حجة عيسى عليهالسلام نفسه ، وهي التي ذكرها الله تعالى ضمن آيات البشارة ، أعني بشارة مريم ، وهذه الحجج قائمة حين حضور عيسى قبل الرفع وبعد رفع عيسى ، بل كانت قبل رفعه عليهالسلام أقطع لعذر الكفار ومنبت خصومتهم ، وأوضح في رفع شبههم ، فما معنى وعده عليهالسلام أنه ستفوق حجة متبعيه على حجة مخالفيه؟ ثم ما معنى تقييد هذه الغلبة والتفوق بقوله : (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، مع أن الحجة في غلبتها لا تقبل التقييد بوقت ولا يوم ...»(١).
ويرى صاحب الميزان ، أن المراد بالذين اتبعوه هم النّصارى ، وبالذين كفروا اليهود ، فإنه يكفي إطلاق هذه الصّفة على المتأخرين منهم ، وإن خالفوه في بعض تفاصيل رسالته. إنهم يعتبرون امتدادا للذين اتبعوه حقيقة في عصره وبعد عصره ، في مقابل اليهود الذين كفروا به في حياته قبل رفعه وبعد رفعه على امتداد الزمن. وبذلك تكون الآية في مقام «بيان نزول السخط الإلهي على اليهود وحلول المكر بهم وتشديد العذاب على أمتهم ...» (٢).
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٣ ، ص : ٢٤١.
(٢) (م. ن) ، ج : ٣ ، ص : ٢٤٢.