الذي يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء ... وأما المؤمنون الذين اعتبروا الحياة موقف إيمان وعمل وكدح إلى الله ، فآمنوا به وعملوا لما عنده وكدحوا في سبيله ؛ فاستحقوا الأجر منه على ذلك كله ، من خلال وعده لهم بالجزاء الأوفى عنده ، والثواب العظيم لديه ، فقد جاء وقت الوفاء بعد انتهاء وقت العمل ، والله عند وعده لعباده ، أما هؤلاء فيوفيهم أجورهم كاملة غير منقوصة ، فإنه يحب المؤمنين العاملين ، ولا يحب الظالمين الذين يظلمون أنفسهم بالكفر والمعصية والانحراف عن خط الله المستقيم في العقيدة والعمل.
(فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) الذين ابتعدوا عن الله ، وانحرفوا عن خط الإيمان المستقيم بسبب الهوى الذي يزيّن لهم الضلال ويقودهم إلى مواقع السقوط الفكري ، (فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا) بما يلاقونه من ألوان العذاب المتمثل بالبلاء الذي يعيبهم في أجسادهم وأهليهم وأموالهم وعقولهم ومواقعهم ، (وَالْآخِرَةِ) بما يواجهونه من عذاب النار ، (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ومن الذي ينصرهم من الله؟
(وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) لأنهم انفتحوا على الله في وحيه من خلال آياته ، واتبعوا رسله في خط الرسالات الذي يهدي إلى الصراط المستقيم ويدلهم على الله ، (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) لأن الله لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى ، ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفر يدخل قلبه ، (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الذين ظلموا أنفسهم وربهم بالكفر والمعصية ، وظلموا الناس بالبغي والعدوان ، وهذا هو الخط الفاصل بين مواقع الكفر والإيمان.
(ذلِكَ) إشارة إلى أخبار الأنبياء عيسى ويحيى وزكريا عليهمالسلام وغير ذلك من شؤون العقيدة (نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ) التي توضح لك كل الخطوط العامة والخاصة التي تتصل بحركة المسؤولية في حياة الناس ، (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) الذي ينزل عليك وحيا من الله ليوضح لك سبيل النجاة في الدنيا والآخرة.
وفي هذه الجولة التي أراد الله للنبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجولها في تاريخ