الواقع في ساحته ، من خلال طبيعة الظروف الموضوعية المتصلة بالأشخاص والأحداث والأوضاع والأشياء ، حتى يعرف كيف يحرّك مواقعه ومواقفه في علاقته بالناس وبالحياة في عالم الصراع بين الأفكار أو بين الناس.
(وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لأنهم يستغرقون في تأكيد خطتهم في إضلال الآخرين بالأوهام التي يختلقونها ، والأكاذيب التي يحركونها ، والأوضاع المنحرفة التي يصنعونها ... فتتحول بفعل الحالة الاستغراقية إلى قناعات ذاتية تجعلهم يستغرقون في الضلال في تأثيراته اللاشعورية ، (وَما يَشْعُرُونَ) تماما كالكثيرين من الناس الذين يعيشون الغفلة عن ذواتهم عند ما يلتقون ببعض الأشياء التي تترك آثارها في نفوسهم بغير اختيار ، وذلك هو قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) التي أنزلها على محمد في القرآن (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) من خلال ثقافتكم التوراتية أو الإنجيلية التي تؤكد صدق النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعوته ، وذلك من خلال البشارة بنبوته ، ومن خلال الحجج الكثيرة الدالة على ذلك التي استمعتم إليها من رسول الله.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) وتلعبون على الموقف فتقومون ببعض الأساليب التي قد تخلط الحق بالباطل ، للإيحاء بالاستبعاد عن الالتزام بالإسلام ، وذلك كما في تحريفكم التوراة والإنجيل ، فتقدمونهما إلى الناس باعتبار أنّهما من وحي الله ، ولكن من دون تقديم الصبغة الأصلية للآية هنا أو هناك ، وكما في تقديم التوراة أو الإنجيل مع تحريف الكلم عن مواضعه من حيث وضع الكلمة في غير موضعها ، أو إبعاد الكلام عن معناه بالإيحاء بأن المراد به معنى آخر ، أو بإخفاء بعض الآيات المبشرة بالنبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وإظهار أن التوراة خالية من ذلك ، أو بالدخول في الإسلام صدر النهار والخروج منه آخره ، لإيجاد حالة من الاهتزاز العقيدي في نفوس المسلمين ، لما يثيره ذلك في نفوسهم من الشك ، باعتبار دلالته على أنهم اطلعوا على ما يوجب اعتقادهم بالبطلان ، مع أنهم كانوا مقبلين على الإسلام بإخلاص ، أو غير ذلك (وَأَنْتُمْ