وبهذا المعنى للارتداد فسَّر ابن الأثير هذه اللفظة التي وردت في أحاديث الحوض التي سيأتي ذكرها ، حيث قال :
وفي حديث القيامة والحوض : «فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم القهقرى» : أي متخلِّفين عن بعض الواجبات. ولم يُرِد ردَّة الكفر ، ولهذا قيَّده بأعقابهم ، لأنه لم يرتد أحد من الصحابة بعده ، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب (١).
فإذا صحَّ ذلك يلتئم الحديثان ، ويتطابق معناهما ، ويكون المراد بارتداد الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو أنهم رجعوا عن أهم الواجبات الدينية المنوطة بهم ، وهي مبايعة علي عليهالسلام بإمرة المؤمنين وخلافة رسول رب العالمين.
والذي يدل على أن ما قلناه هو المراد بالحديث ما رواه الكليني رحمهالله في الروضة ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : كان الناس أهل ردة بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا ثلاثة. فقلت : ومن الثلاثة؟ فقال : المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، رحمة الله وبركاته عليهم ، ثمّ عرَف أناسٌ بعدَ يسير (٢). وقال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا ، حتى جاءوا بأمير المؤمنين
__________________
(١) النهاية في غريب الحديث ٢/٢٢١٤. ونقل ابن منظور هذه العبارة بعينها في لسان العرب ٣/١٧٣.
(٢) أي ثمّ إن أناسا عرفوا أن أمير المؤمنين عليهالسلام هو الأولى بالأمر بعد وقت يسير.