أضف إلى ذلك كله أنّه ما الداعي إلى اختلاف أذان أهل مكّة عن أذان أهل المدينة ، واختلاف الأذانين عن أذاني أهل الكوفة وأهل البصرة؟
ولماذا يختلفون فيما هو ـ واللفظ لابن حزم ـ «منقول نقل الكافّة بمكّة وبالمـدينـة وبالكوفـة ، لأنّه لم يمرّ بأهل الإسلام يوم إلّا وهم يؤذّنون فيه في كلّ مسجد من مساجدهم خمس مرّات فأكثـر ، فمثل هذا لا يجـوز أن يُنسى ولا أن يُحرّف» (١).
فلماذا نُسي أو حُرّف هذا الأذان واختُلف فيه بين مصر وآخر؟
ولو صحّ ما قاله ابن حزم ـ من صحّة جميع منقولات الأذان على اختلافها ـ عند جمعه بين الوجوه في الأذان ؛ فكيف يمكننا أن نوفّق بين وحدة الشر يعة وبين تعدّدية الأذان؟ فهل كان رسول الله قد صحّح الجميع؟ أم وقع في الأذان تغيـير يشهد به إحداث عثمان بن عفان للأذان الثالث يوم الجمعة (٢)؟.
قال ابن حزم جامعاً بين كلّ تلك الوجوه :
«... كلّ هذه الوجوه قد كان يُؤذّن بها على عهد رسول الله بلا شكّ ، وكان الأذان بمكّة على عهد رسول الله يسمعه عليهالسلام إذا حجّ ، ثمّ يسمعه أبو بكر وعمر ، ثم عثمان بعده عليهالسلام ... فمن الباطل الممتنع المحال الذي لا يحلّ أن يظنّ بهم أنّ أهل مكّة بدّلوا الأذان وسمعه أحد هؤلاء الخلفاء رضي الله عنهم ، أو بلغه والخلافة بيده فلم يغيّر ...
وكذلك فُتحت الكوفة ونزل بها طوائف من الصحابة رضي الله عنهم ، وتداولها عمّال عمر بن الخطاب ، وعمّال عثمان رضي الله عنهما ، كأبي موسى الأشعري ، وابن مسعود ، وعمّار ، والمغيرة ،
__________________
(١) المحلَّى لابن حزم ٣ : ١٥٣.
(٢) انظر : تحفة الأحوذي ٣ : ٤١ / أبواب الجمعة ـ باب ما جاء في أذان الجمعة ؛ عون المعبود ٣ : ٣٠٢.