وعليه لا يصحّ التبر ير المطروح من ترك بلال الأذانَ ترجيحاً للجهاد عليه ، بل يبدو أنّ هذا العذر والتبرير اختُلِقَ لدعم فكرة حذف الحيعلة الثالثة ترجيحاً للجهاد عليها ـ وهي فكرة عمر بن الخطّاب التي صرّحت بها روايات عديدة ـ بدعوى أنّ الجهاد ـ لا الصلاة ـ هو خير العمل ، ومعنى كلامهم أن بلالاً ترك الأذان ترجيحاً للجهاد عليه!!
فإذا لم يصح هذا التبرير فلنا أن نقول : إنّ هناك أمراً آخر دعاه إلى اتخاذ هذا الموقف. فما هو؟
يبدو أنّ وراء ترك بلال للأذان سرّاً كامناً ، لأنّه ترك الأذان بمجرّد تسلّم أبي بكر للخلافة ، ويظهر أنّه بقي في المدينة مدّة يسيرة قد لا تتجاوز وقت وفاة فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو تتجاوزها بأيام قلائل.
وما قيل من أنّ بلالاً أذّن لأبي بكر مدّة خلافته ، ثمّ رجّح الجهاد في زمان عمر فهو شيء لا يصحّ ؛ لأنّ بلالاً كانت له مشاركات في فتوح الشام ، وهذا يعني أنّه كان مع جيوش المسلمين ، وقد تفطّن ابن كثير إلى ذلك قائلاً :
ولمّا توفّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ترك بلال الأذان ، ويقال : أذّن للصدّيق أيّام خلافته ، ولا يصحّ (١).
وقد علق النووي في المجموع على كلام ابن قسيط الذي قال بأن بلالاً كان يسلم على ابي بكر وعمر في آذانه يقول : وهذا النقل بعيد أو غلط ، فان المشهور المعروف عند أهل العلم بهذا الفن ان بلالاً لم يؤذن لابي بكر ولا عمر وقيل اذن لابي بكر رضي الله عنهم ، ورواية ابن قسيط هذه منقطعه فانه لم يدرك ابا بكر ولا عمر ولا بلالاً رضي الله عنهم (٢).
__________________
(١) البداية والنهاية ٤ : ٧ / ١٠٤ احداث سنة عشرين من الهجرة.
(٢) المجموع ٣ : ١٢٥.