وكأنّ امتناع بلال من التأذين لأبي بكر بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يَرُق لرجال النهج الحاكم ، لأنّه تبدو منه معالم معارضته للخلافة الجديدة ، من هنا وضعوا شتى المختلقات لتوجيه عدم تأذينه له ، وكأنّ الأقرب للواقع أنّه اضطُرّ إلى ترك المدينة متّجهَّا نحو الشام ، إذ كانت الشام منفى المعارضين ، وكان ستار الجهاد خير وسيلة لإبعاد المعارضين ، حيث ذهب سعد بن عبادة الأنصاري مكرهاً إلى الشام فقتل هناك غيلة ، ونفي في زمان عثمان أبو ذر ومالك الأشتر وغيرهما من المعارضين إلى الشام وحبوس معاوية (١) ، ولا يستبعَد أن يكون بلال قد رأى ـ نتيجة ضغوط أبي بكر وعمر عليه كما ستعلم ـ أنّ الذهاب إلى الشام أسلَمَ له ، وأبعد عن عيون السلطة.
ويؤكّد لنا أنّ وراء امتناع بلال من التأذين لأبي بكر أمراً مخفيّاً ، عدمُ امتناعه من التأذين لأهل البيت ، حيث أذَّن لفاطمة الزهراء بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مرّة ، وأذّن لولديها الحسن والحسين عليهماالسلاممرّة أخرى بعد وفاة فاطمة ، وذلك ما لم يختلف فيه المؤرخون وأرباب السير.
روى الصدوق : أنّه لما قُبض النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم امتنع بلال من الأذان وقال : لا أؤذّن لأحد بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإن فاطمة قالت ذات يوم : إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي بالأذان ، فبلغ ذلك بلالاً فأخذ في الأذان ، فلمّا قال : «الله أكبر الله أكبر» ذكرت أباها صلىاللهعليهوآلهوسلم وأ يّامه فلم تتمالك من البكاء ، فلمّا بلغ إلى قوله «أشهد أنّ محمّداً رسول الله» شَهِقت فاطمة شهقةً وسـقطت لوجـهها وغُشي عليها ، فقال الناس
__________________
(١) تاريخ اليعـقوبي ٢ : ١٧٢ وفيه نفـي أبي ذر إلى الشـام ، وتاريخ الطبري ٤ : ٣١٧ ـ ٣٢٦ / احداث سنة ٣٣ وذكر فيه تسير عثمان جماعة من أهل الكوفة إلى الشام منهم مالك الأشتر.