بعد هجرة النبيّ إلى المدينة ، وأنّ صلاته بمكّة إنّما كانت من غير نداء لها ولا إقامة» : «قال أبو بكر ، في خبر عبدالله بن زيد : كان رسول الله حين قَدِمَ المدينة إنّما يجتمع الناس إليه للصلاة بحين مواقيتها بغير دعوة» (١).
وهذا الرأي يشير إلى أن الأذان شُرّع بالمدينة وإن كانت الصلاة قد شُرّعت بمكّة :
قال ابن المنذر : هو [صلى الله عليه وآله وسلم] كان يصلّي بغير أذان منذ فُرضت الصلاة بمكّة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور (٢).
لكن السيوطي في الدرّ المنثور ـ ضمن تفسير قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً) ـ روى عن عائشة أنّها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلّا في المؤذّنين (٣). وهذه الآية مكّيّة (٤).
ثمّ علّق الحلبي في سيرته على هذا بقوله : والأذان إنّما شُرّع في المدينة فهي ممّا تأخّر حكمه عن نزوله (٥).
وقد سئل الحافظ السيوطي : هل ورد أن بلالاً أو غيره أذّن بمكّة قبل الهجرة؟ فأجاب بقوله : ورد ذلك بأسانيد ضعيفة لا يُعتمد عليها ، والمشهور الذي صحّحه أكثر العلماء ودلّت عليه الأحاديث الصحيحة أن الأذان شُرّع بعد الهجرة وأنّه لم يؤذِّن قبلها لا بلال ولا غيرُه (٦).
هذا ، وإن النووي بعد أن أتى بخبر ابن عمر الدالّ على مشاورة الرسول
__________________
(١) صحيح ابن خزيمة ١ : ١٩٠ كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة ح ٣٦٥.
(٢) السيرة الحلبية ٢ : ٢٩٦.
(٣) الدرّ المنثور ٥ : ٣٦٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ : ٢٠٤ ، باب في فضل الأذان وثوابه ح ٢٣٤٧.
(٤) انظر : تفسير القرطبي ١٥ : ٣٦٠ ، وتفسير الثعالبي ٥ : ١٣٩.
(٥) السيرة الحلبية ٢ : ٢٩٧.
(٦) السيرة الحلبية ٢ : ٢٩٦.