وبهذا فليس هناك تخالف بين مارواه أبو بصير وما قالته الشيعة ـ بفرقها الثلاث ـ وذلك للدور الذي لعبه عمر بن الخطاب إبّان عهد الخليفة الأوّل في رسم الخطوط العامة للحكم الذي يرتضيانه ، إذ أقرّ تلك التطلعات بعد بسط نفوذه في خلافته ، ممّا دعا بلالا الى أن يترك الأذان ويقـول : «لا أوذّن لأحد بعد رسـول الله».
وخلاصة القول : أنّ الحيعلة الثالثة «حيّ على خـير العـمل» كانـت على زمن رسـول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وزمن أبي بكـر ، وصـدراً من خلافـة عمـر ، ثـمّ حذفـها عمـر في أيّام حكومته ، وأنّه كان يقصـد إلى ذلك منـذ حـروب الـردة ، ثـمّ أراد تطبيقها بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكنّه اصطدام بمعارضة بلال مؤذن النـبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الـذائـع الصِّيت ، الذي رفض أنْ يـؤذن لرمـوز الخلافـة المغتصـبة ، فأبعدوه وأبدلوه بسعد القرظ ، فتسنى لهم ما أرادوا من بعد ، فتمهّدت لهم الأرضية لذلك بعد إقصاء بلال عن منصبه الذي وضعه فيه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد دلّـت كلّ النصـوص والأحداث التاريخية على أنّ حذفها كان في حكومة عمر ، ودلَّ خبرُ أبي بصير عن أحد الصادقَين ـ الذي صدّرنا هذا الفصل به ـ على أنّ عمر كان قاصـداً هذا القصد من قبل ، ثمّ نفّـذهُ في أيّام اسـتخلافه.
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ـ كما ستعرف في الباب الثاني «الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة» ـ أنّ إضافة «الصلاة خير من النوم» أيضاً كانت من مبتكرات عمر بن الخطاب ، الذي رفع الحيعلة الثالثة وجعل مكانها «الصلاة خير من النوم» فسار الأمويّون والمجتهدون من بعده على مساره ، وأحكموا ما ذهب إليه عمر ، حتّى صار في العصور اللاحقة تلازم بين إثبات الحيعلة الثالثة ورفض التثويب عند نهج التعبد ، وفي المقابل. ثمّة تلازم بين حذف الحيعلة الثالثة واثبات التثويب عند نهج الاجتهاد والحكومات. وقد تطور الأمر ـ كما سيأتيك ـ إلى أن صار ذلك شعاراً سياسيّاً لكل من طرفَي النزاع.