هذا نموذج بسيط عن مسار الاتجاهين الفكري. وقد أكدنا اكثر من مرّة على أنّ لكلّ واحد من النهجين قادة وجماهير.
ولما حكم نهج الاجتهاد والرأي ـ في الحكومات الأموية والعباسية أو السلجوقية والأيوبية ـ حكّم آراء الخلفاء وفقههم في الشريعة.
أمّا النهج الشيعي فقد دعا إلى الأخذ بسنة رسول الله عن عليّ وأولاده ، وهؤلاء قد عارضوا النهج الحاكم في زمن الشيخين وعثمان وطيلة الحكم الاموي والعباسي. ولا ننسى أن شعارية «حيّ على خير العمل» وغيرها قد تجسدت في العصر العباسي الأوّل والثاني ، أي بنشوء الدول الشيعية كالدولة الإدريسية في المغرب والحمدانية في حلب ، والبويهية في بغداد ، والزيدية في طبرستان ، والفاطمية في مصر و ...
وقد اتّخذ كلّ اتجاه أُصولا في عمله ، فأحدهم يمنع من تدوين الحديث والآخر يصرّ عليه وإن وضعت الصمصامة على عنقه.
والأوّل يذهب إلى عدم تنصيص النبيّ على أحد بل ترك الأمّة لتختار لإمامتها من تشاء ، والآخر يعتقد بلزوم الوصاية والخلافة وقد عيّن النبيُّ بالفعل علياً إماماً وخليفة من بعده.
والسنيّ يقول باجتهاد النبيّ ، والشيعي لا يرتضي ذلك .. وهلمّ جرّاً.
اذاً يمكن تلمس النهج السني في تصرف الدولتين الاموية والعباسية ، ثمّ بعدهم السلجوقيّة والنوريّة والصلاحيّة والعثمانيّة ، وهذه الدول كانت تسعى لتطبيق ما شُرّع على عهد الخلفاء وما دوّن لهم في عهد عمر بن عبدالعزيز ـ لقول الزهري : (كنّا نكره تدوين الحديث حتّى أكرهنا السلطان على ذلك ، فكتبناه وخفنا أن لا نكتبها للناس) ـ وأخذوا بالمذاهب الأربعة فقط ، اعتقاداً منهم بأنّ أقوال أربابها هي الدين الحق ، غافلين عن دور الحكّام في تأصيل أصول تلك الأحكام الشرعية ، كتدوين الحديث ، وحصر المذاهب بالأربعة وسوى ذلك.