أمّا الذي يعتقد بشرعية خلافة الأوصياء ، ويفهم من الحيعلة الثالثة أنّها دعوة إلى بر فاطـمة وولدها الذين هم خير البرية بصريح الكتاب العزيز ـ أي محـمّد وعلـيّ والزهـراء والحسن والحسـين ـ فيصر على شعاريتها وإن كلفه ذلك الغالي النفيس.
وليس من الاعتباط أن نجد ارتباطاً تاريخياً بين القول بإمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والقول بشرعية الحيعلة الثالثة ، وبين رفض إمامة أمير المؤمنين والقول برفع الحيعلة الثالثة ، فهي إذن تمثّل أهمّ المسائل الفارقة بين نهج التعبد المحض ، وبين نهج الاجتهاد والرأي.
إنّ ما تنطوي عليه الحيعلة الثالثة من حقيقة الإمامة حينما دخلت الصراع يكشف بلا ريب عن أنّ حلبة هذا الصراع أكبر من كونها نزاعاً حول فصل من فصول الأذان ، وما (حيّ على خير العمل) إلّا نافذة من تلك النوافذ الكثيرة المعبرة عن أصالة نهج التعبد المحض ، شأنها في ذلك شأن التكبير على الجنائز خمساً أو أربعاً ، وحكم الأرجل في الوضوء هل هو المسح أو الغسل ، والقول بمشروعية المتعة وعدمه ، والإرسال أو القبض في الصلاة ، والتختم في اليمين أو الشمال ، والجهر بالبسملة أو إخفاتها ، وعدم شرعية صلاة التراويح والضحى أو شرعيتها ، وحرمة شرب الفقاع وأكل السمك الذي لا قشر له أو حليتهما ، وجواز لبس السواد في محرم والاحتفال بيوم الغدير أو بدعيتهما وإجراء أحكام المواريث والمناكح طبق هذا المذهب أو ذاك و ...
فكل هذه المفردات تشير إلى وجود نهج يخالف الحكام وما سنوه من سنن تخالف سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فندرة وجود ما يؤيد هذا النهج في مدرسة الخلفاء لا يخدش في شرعيتها ، بل يؤكّد أصالتها ، وأنّ ثبوتها وبعد أربعة عشر قرناً ـ رغم كلّ الظروف التي مرت بها ـ ليؤكّد ارتباطها واستقاءها من أهل البيت ، وهو الآخر