ونحن لا نريد أن نعود إلى ما كتبناه سابقاً ، بل نريد الإشارة إلى بعض الشيء عن هذين النهجين ، مؤكدين الكلية التي رسمناها في دراسة ملابسات التشريع ، مبينين كيفية تطبيقها في مفردة الأذان ، وكيف ارتبطت قضية الأذان بالمنام بعد ثبوتها في الاسراء والمعراج ، وما هو ارتباطها بالرؤيا التي أقلقت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ تلك الرؤيا التي رأى صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها بني أميّة يَنْزُون على منبره الشريف نَزْوَ القردة؟
وقد رأينا تقديم شيء من خبر الإسراء والتحريفات الواقعة فيه ؛ لارتباطه ببيان رؤ يتنا بصدد الرؤيا في الأذان ، وهو بيان لدواعي اختلاف المسلمين في بدء الأذان ، فنقول :
إنّ خبر الإسراء والمعراج ثابت لا كلام فيه ، وقد وردت سورة باسم الإسراء في الذكر الحكيم.
وقد اختلف المسلمون في يوم الإسراء ومكانه وكيفيّة عروجه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى السماء ، وما جرى في الإسراء والمعراج ، وهل أُسري به مرّة أو مرّتين (١) أو أكثر من ذلك (٢) ، وهل كان عروجه بروحه وجسده أم بروحه فقط؟ على أنّ هناك من فَصَّل بين إسرائه ومعراجه ، فقال بأن إسراءَهُ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان بروحه وجسمه ، وأنّ عروجه إلى السماء كان بروحه فقط؟
فالذين لا يدركون عمق الرسالة ومكانة الرسول شكّكوا في حقيقة الإسراء والمعراج وقالوا بأشياء لا تتفق مع رسالة الغيب والوحي ، وقد ارتدّ بعض من أَسلَمَ حينما سمع بخبر الإسراء ، وهناك من ثبت على الدين وصَدَّق بما قال الرسول وبما
__________________
(١) انظر : على سبيل المثال تفسير ابن كثير ٣ : ٢٢ حيث قال : وقد صرّح بعض من المتأخّرين بأنّه عليهالسلام أُسري به مرّة من مكّة إلى بيت المقدس فقط ، ومرّة من مكّة إلى السماء فقط ، ومرّة إلى بيت المقدس ومنه إلى السماء.
(٢) الخصال : ٦٠٠. وانظر : علل الشرائع : ١٤٩.